مدرين المكتومية
على مدى الأيام الماضية كانت بلادي ولا تزال على موعد مع واحد من أرقى مظاهر الاحتفال والتعبير عن الولاء والامتنان لمسيرة استكمال بناء الدولة العصرية الحديثة، فحجم المنجزات المتحققة على أرض الواقع يُجسد بصدق رؤية عميقة وقيادة حكيمة تسعى لتحقيق نهضة شاملة ومُستدامة لعُمان، سواء في الشق المتعلق منها بالتركيز على التطوير الاقتصادي والترشيق المؤسسي بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة والابتكار في الإدارة، أو دعم الحماية الاجتماعية من أجل تحسين جودة حياة المواطنين وتمكين الشباب وتحسين جودة الخدمات... وغيرها الكثير من الوقائع التي باتت ترسم خارطة طريق نحو مستقبل زاهر، نمضي فيه بخطى واثقة نحو المزاحمة على الصدارة تماما كما أرادت رؤية العمانيين (عمان 2040) ذاك الوصف الوطني الدقيق الذي تفضل به حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه السامي احتفاء بالذكرى الخامسة لتولي جلالته مقاليد الحكم بالبلاد.
فمنجزات نهضتنا المتجددة ليست مجرد أرقام أو خطط، أو تقدمات مشهودة على مختلف المؤشرات المحلية والعالمية (وإن كانت لها أهميتها بالطبع)، لكنها في جوهرها خطوات عملية نحو تحقيق طموحات كل عماني وعمانية، استمرارا لمسيرة نهضة راسخة تنبض بروح التجديد والابتكار.. منجزات تعبر عن التزام وإرادة سياسية جادة وحقيقية بتعزيز مكتسبات الماضي، ومواصلة البناء على أسس قوية لتحقيق مستقبل أفضل لنا وللأجيال اللاحقة علينا.. منجزات حظي فيها المواطن العماني باهتمام خاص من خلال مبادرات دعم تحسين مستوى المعيشة، ودعم الفئات الأكثر احتياجا.. منجزات جعلت من الحادي عشر من كل عام بمثابة محطة للتأمل فيما تحقق لنبني مستقبلا مشرقا، يستلهم من تاريخنا الحضاري عراقته، وموجه بطموح وطني أكبر نحو استمرار مسيرة التقدم والازدهار.
وإن كان للاقتصاد رجاله وأهل اختصاص لا يجاريهم أحد، فللمنظومة الاجتماعية الوطنية ما يقارب الـ3 ملايين قلم ولسان يسجل ملحمة عرفان لما حظوا به من عناية مجتمعية فائقة في عصر النهضة المتجددة، وبرامج الدعم الموجهة لشرائح واسعة، كالأسر ذات الدخل المحدود، والمتقاعدين، وذوي الإعاقة، وغيرهم من الفئات المستحقة، والتي ضمنت لهم جودة الحياة وعززت مستويات العدالة المجتمعية، وفق نهج شامل يتكامل والمكرمات السامية والإصلاحات الاقتصادية لتخفيف أعباء المعيشة وتحقيق التكافل المجتمعي.
إن أحد أبرز عناصر منظومة الحماية الاجتماعية بشكل عام هو "نظام الحماية الاجتماعية الموحد"، الذي يجمع مختلف أشكال الدعم تحت مظلة واحدة لضمان التوزيع العادل والكفاءة في تقديم المساعدات، كما تشمل المنظومة دعم فرص التوظيف، والتدريب المهني، والتأمين الصحي، مما يعزز قدرة المواطنين على الاعتماد على الذات وتحقيق الازدهار، في تأكيد عملي متجدد على أن الإنسان العماني كان ولا يزال هو محور التنمية وأساسها، ويحتل مكانة مركزية في فكر حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- الذي يضع الإنسان في صدارة أولوياته، ليس فقط كمستفيد من التنمية، بل كشريك فاعل ومساهم رئيسي في تحقيق طموحات الوطن.
وإذ لا تزال بلادنا ترفل في أثواب الاحتفال القشيبة بمناسبة وطنية غالية، فإنَّ جلالته -أبقاه الله- أبى إلا أن تكتمل أفراح الوطن بجملة مكرمات سامية ترسخ حقيقة الرعاية السامية لأطياف الشعب العماني قاطبة من كمزار وحتى ريسوت، بالتوجيه لتخصيص مبلغ 178 مليون ريال عماني يستفيد منها أكثر من 100 ألف مواطن سواء المستفيدين من برنامج المساعدات السكنية لعام 2025، أو رواد ورائدات الأعمال المنضوين تحت مظلة هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والإعفاءات من بعض القروض السكنية وقروض المشاريع المتعثرة والمغلقة، ومد مظلة الحماية الاجتماعية والتأمينية للمواطنين خلال العام الجاري باستمرار صرف معاشات الضمان الاجتماعي (سابقا) خلال هذا العام، وصرف معاش إضافي لبعض مستحقي المعاش التقاعدي، ودرة تاج المكرمات السامية "إنشاء صناديق للزواج" في جميع محافظات السلطنة، لمساعدة الشباب الراغبين في بناء كيانات أسرية جديدة، ولكم كانت هذه الخطوة أمنية يرغب المجتمع في تحقيقها منذ أمد بعيد، كضمانة للتيسير والتسهيل أولا، وتحفيز الرغبة في الإقدام على الزواج خفض معدلات العنوسة ثانيا، وتحقيق الاستقرار المجتمعي ثالثا وخامسا وعاشرا.
وصحيح أنَّنا ما زلنا بانتظار آلية الحوكمة التي سترى بها هذه الصناديق النور (كما أفاد بذلك البيان الصادر عن ديوان البلاط السلطاني) إلا أنَّ الآمال واسعة في أن تكون المبالغ المخصَّصة للراغب في الزواج مجزية وكافية وتتناسب ومتطلبات وتكاليف الزواج، كما نأمل كمقترح أن يكون لهذه الصناديق وقفا أو استثمارا يُدِر دخلا جيدًا، مع فتح باب التبرُّعات أمام من يريد زيادة مخصصات الصندوق حسب المحافظة، مع تيسير شروط الاعتماد والموافقة على طلبات الشباب، مع تسريع إجراءات الموافقة على الطلبات.
ويبقى القول في الأخير.. إن هذه المكرمات السامية ليست مجرد دعم مادي، بل هي تعبير عن رؤية ثاقبة تهدف لتمكين شرائح المجتمع المختلفة من تجاوز التحديات، والمساهمة في بناء مستقبل مُشرق ومُستدام لعُمان الوطن.. مكرمات تنبض بروح العطاء وتزرع الأمل في نفوس أبناء الوطن الأوفياء. حفظ الله مولانا المعظم وشمله بكرمه ورعايته، وأسبغ عليه آلاءه ونعمه الظاهرة والباطنة، وأدامه عزا وفخرا، وسندا وذخرا لأبناء عمان الكرام الأعزاء الأوفياء.