لا أريدك عمياء

 

مريم محمد قوش **

 

أحضرها أخي،، قطةٌ صغيرةٌ رآها تسقط من حافة مبنى على وشك الانهيار، لا أعلم ما الذي دفعها لتصعد هناك.. ولا أعلم ما الذي دفع أخي ليأخذها عائدًا بها إلى البيت، ليقول لي: انظري! دعينا نُدركها قبل أن تعمى!

أخذتُ أمسحُ عينها بالشاي المر، تمامًا كما نمسح عيون المواليد حينما يفدون للحياة، ثم بدأنا بتقطير الأمل في عينيها رويدا رويدا..

هل تذكر ذلك يا أبي؟! كنت تصنع مثل ذلك كثيرًا يا حبيبي، وتقول جملتك التي حفظناها: إذا جعلك الله في موقف لصنع الخير، فلا تتأخر، فقد ساق الله الجنة إليك.. فإنك لا تعلم أي عمل يتقبله الله منك..

لقد استسلمت القطة تماما بين أيدينا ونحن نطبب عينيها.

كنت أقول لأخي وهو يقطّر في أجفانها بعناية: مجروحةْ عيناها، تحتاج لبيطري.. وتحتاج لشاش طبي ومضاد جروح ومعقم.

ابتسم أخي ولم يقل شيئًا، كنت أعلم أنه اختصر حديثًا طويلا، فلا مشافي ولا أدوية ولا أطباء  للبشر الذين يذبحون ليل نهار، ولا حتى أكفان للشهداء..

انتيهنا أخيرًا، والقطة الصغيرة حولنا تحاول أن تفتح عينيها، كنت أرمي نظري الى أول شيء ستقع عينها عليه، يا الله! إنه شارعنا المهدم قد ظهر كله من جدار البيت المتداعي، نظرت للقطة ولعينيها اللتين تحاولان إدراك العالم.. كدتُ أقول لها: اعذريني! سترين كل ما لا يحب مخلوق أن يراه، لكنني يا صغيرتي لا أريدك عمياء..

 

** غزة- فلسطين

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة