علي بن سهيل المعشني (أبو زايد)
تُعدُّ محافظة ظفار في سلطنة عُمان إحدى المناطق التي تزخر بثراء ثقافي وتاريخي فريد، يُجسّده الأدب الشعبي المتنوع والمتأصل في وجدان أهلها. يمزج هذا الأدب بين الشعر، والأغاني، والحكايات، والأمثال الشعبية، والأساطير، مما يعكس العلاقة العميقة بين الإنسان الظفاري وبيئته الطبيعية والاجتماعية.
الشعر الشعبي في ظفار
يُعدُّ الشعر من أبرز أشكال الأدب الشعبي في ظفار، ويتميز بعفويته وارتباطه بحياة الناس اليومية. تتنوع أغراض الشعر بين الغزل، والرثاء، والحماسة، إضافة إلى وصف الطبيعة، حيث تظهر الجبال والصحارى والسهول والبحر كعناصر متكررة في الأبيات الشعرية.
كما تمتاز الفنون الشعرية في ظفار، وخاصة تلك المرتبطة بالجبال والبادية، بأسلوب أدائي يُعرف بـ"الصورة الأدائية"، وهو نمط إنشادي يعتمد على الصوت البشري النقي، من خلال الإبداع الفطري. كان الإنسان يصنع ألحانه وموسيقاه من مفردات الطبيعة المحيطة به.
الأغاني الشعبية
تُشكِّل الأغاني الشعبية جزءًا أصيلًا من الأدب الظفاري، حيث تُؤدى في مناسبات متعددة، مثل الأعراس، والحصاد، وليالي السمر، وليالي خطال الإبل في أودية ظفار.
وتتميز الأغاني بطابعها الخاص الذي يعكس الهوية الثقافية والانتماء للبيئة. ومن أشهر أنواع الغناء في ظفار:
الهبوت: أداء جماعي يجمع بين الغناء والحركة، ويُعبر عن الفرح أو الاحتفال بالنصر.
البرعة: فن يُمارس بعد تحقيق الانتصارات.
النانا والدبرارت وإيلي مكبور والمشعير: وغيرها من الفنون الأصيلة التي تحمل في طياتها عمقًا ثقافيًا.
الحكايات والأساطير
تمثل الحكايات والأساطير الشعبية في ظفار إرثًا ثقافيًا غنيًا بالمعاني والقيم،و تُبرز الحكايات قيم البطولة، والكرم، والشجاعة، وتعد وسيلة لنقل الحكمة والمعرفة من جيل إلى آخر. كما أنها تُظهر التداخل بين الواقع والخيال في المخيلة الظفارية.
ومن بين تلك الحكايات ما يُعرف بـ"إكيلث" أو حكايات الأطفال، التي كانت تُروى قبل النوم لتوسيع مدارك الأطفال، وتعزيز مخيلتهم عبر صور ذهنية ورسائل ثقافية عميقة.
الأمثال الشعبية
تعكس الأمثال الشعبية تجارب الناس ومواقفهم في الحياة، فهي قصيرة وبليغة، تُستخدم في الحديث اليومي لإيصال الحكمة والموعظة. تُعتبر الأمثال بمثابة مرآة ثقافة الشعوب، حيث تُقاس قوة الحضارات بثقافة أمثالها وحكمة أقوالها وشجاعة أفعالها.
دور الأدب الشعبي في حفظ الهوية
يُعدُّ الأدب الشعبي الرحم الذي يحفظ الهوية الثقافية والتراثية. فهو ليس مجرد كلمات تُروى أو تُغنّى، بل هو تعبير حيّ عن القيم والمعتقدات ومرآة للحياة الاجتماعية والتاريخية للمنطقة. إن توثيق هذا الأدب ودراسته أكاديميًا يُعد خطوة أساسية لضمان استمراره ونقله للأجيال القادمة.
ختامًا.. إنَّ الأدب الشعبي في ظفار يُمثل كنزًا ثقافيًا يُحافظ على الصلة بين الماضي والحاضر، ويبرز خصوصية المنطقة وتنوعها الثقافي. إنه صوت الناس البسطاء الذي يعكس حياتهم وأحلامهم وطموحاتهم، ويُشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية العُمانية.