خليفة بن عبيد المشايخي
يُقدَّر لك أحياناً أن تكون وسط جماعة متعددي السلوك والفطرة والأخلاق، فيغريك أحدهم بجمال مظهره ونظافة هندامه ورقي ملبسه، وتعتقد أنه أوتي خلقا وفيرا ونصيبا كبيرا في الأخلاق والآداب والفهم والثقافة والتواضع وصنائع المعروف، وتكتشف بعد حين أنه مفلس من كل ما ذكر، وأنه من الذين ينتظرون المديح كل وقت على شكله وفعله، وإذا لم يجد ذلك منك، صرت عدوه ولا تروق له واستبدلك بآخرين، فهذا في حضرتك هكذا ويحدث ذلك منه، فكيف لو تباعدتم وفرقتكم الأيام لظرف ما، وذهب كل منكما في طريق، فماذا عساك أن تجد أو تسمع منه.
البعض يعاني من جنون العظمة ولا خير فيه مطلقا، إلا ما ندر، تراه متصنع الابتسامة ومدعي الفضيلة وهو شر خلق الله. ويحدث أن تجد امرءًا بسيطًا ليس لديه مؤهل علمي أو دراسي يذكر وليس صاحب منصب ولا جاه، إلا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، لكنه شهم وكريم محب، يحفظ لك الود والعهد ما حيي، فهو لين الجانب سهل الطباع حلو المراس والمعشر.
وقيل إنَّ المظاهر خدَّاعة وهذه حقيقة، إذ تجد إنسانًا في حياتك به شخصية تزدان باللبس وفي المظهر، ولكن ذاك ليس به أدنى خير ولو أنت عكسه، فلن تتوافقا.
فما يحويه جوهر الإنسان ومضمونه من جمال في إنسانيته، هو الراجح والمقبول عند الكثيرين. هناك من تذكر له ودا وإن غاب عنك أو غبت عنه، وهناك من يذكر لك طيبتك وحسن معاملاتك ومعاشرتك وإن حدث ما حدث، وهناك من ينكر عليك ذلك ولو أعطيته ماء عيونك، ولو كنت معه كل الوقت محسنا.
وسبحان الله، أصابع اليد الواحدة ليست واحدة في استقامتها، فكيف في وظائفها ومهامها وواجباتها. والله يصطفي من الناس فمن يرزقه أخلاقا وتواضعا، ومن يذكر الود ولو كان ود لحظة، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : آية المنافق ثلاث منها إذا خاصم فجر، أي بالغ في الخصومة والهجر والتعالي، وإن كنتم إخوة وأصدقاء وجيرانا، وإن جمعتكم علاقة أو أخوة أو أو سكن، وحتى وإن كنت تلقمه في فمه ذهبًا.
والإمام الشافعي يقول "الحر من راعى وداد لحظة"، فكيف بالذي ربيته وتعبت عليه ومن أجله ومكنته وقويته حتى قوي عوده وكبر، ألا يفترض أن يراعي وداد تلك السنوات وتعبك عليه وتربيتك له، وكذلك الذي زاملته في العمل والوظيفة وماشيته وآخيته وأكلت معه وأكل معك وعاشرته، كيف له أن ينسى ذلك، ويفجر في خصامه وهجره وزعله وبعده ونسيانك، ينسى عهده، ويتنكر للأصول والفروع والمباديء والقيم والإنسانية.
نعم الحر من يُراعي وداد لحظة ويتذكر تلك الأيام الجميلة التي جمعتكم وكانت بينكم، وإن كانت أيام العمل أو السكن أو الالتقاء في مهمة عمل أو دراسة، فالحر من يكون نقياً تقياً وفياً من الداخل على كل حال، يعيش بحب وسلام وتسامح، لا يرى نفسه على ذاك، ولا يخصص تعاملاً طيباً لذاك.
والإنسان إذا ما أراد أن يكون جميلا في تعامله، عليه أن يتأسى بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن ينظر إلى حاجته لمن يتعامل معه بالطيب ويبتسم في وجهه ويكون دوما باشا له، فالبشاشة خير من العطاء فكيف إذا حاز المرء البشاشة والعطاء، فذلك أدوم وابقى وأيسر.
والمؤمنون إخوة، ومن الإخوة من يكون عضدك وسندك وشريكك ومعك، حتى في عسرك وفي أشد حالاتك وأحلك أيامك، وقال قائل "رب أخ لم تلده أمك"، وهذا قد تجده أنفع لك وأدوم وأبقى وأصلح، يذكرك ولو بعد حين، ويتذكر لقاؤكما وبقاؤكما كيف كان، ويبقى وفيا لك في غيابك وحضورك.
يأتي عليك أن تقدم خدمة لأحدهم ويظل متذكرا لها طوال عمره، وكلما راك يرتاح لك ويشعر بسعادة كبيرة لشخصك، ويتفانى في إكرامك ويتعاظم معه صنيعك له يوما، إن سمع سيئًا عنك دافع عنك وتذكر مناقبك وآثارك وجميلك، فيشيع بين الناس حسناتك ويظل محافظا على الود والعلاقة الطيبة التي جمعت بينكما يومًا مهما كان.