علي بن سالم كفيتان
غادر أبو إبراهيم الدنيا قاذفًا بعصاه ذبابة الصهاينة، بينما نقل لنا هُدهُد سليمان المشهد بكل تجلياته، لقد نقل الحقيقة دون زيفٍ أو تدليس، ورأى العالم الظالم تشبُث القائد بأرضه وثباته عليها، حتى الرمق الأخير، فكيف بالمجاهدين من خلفه؟! وهل يتوقع نتنياهو أن تذوي المقاومة ويستسلم الأحرار في ثغر فلسطين باستشهاد السنوار؟
هذا البطل كان يبحث عن النهاية التي اختارها لنفسه، وحققها له العدو؛ فمُخرج المشهد الأخير للمعركة رسم صورة الخلود للبطل يحيى السنوار، وهو يُحارب وحيدًا ببندقية الكلاشنكوف الشرقية، وبضع قنابل يدوية ومسبحة ومِسواك وكُتيِّب أدعية، في مواجهة آلة القتل والدمار الأمريكية وتكنولوجيا الغرب التي وُضعت تحت تصرف كيان الصهاينة، ومع ذلك صمدت بندقية السنوار حتى الرصاصة الأخيرة، ولم تتبقَ لديه أي قنبلة لم يستخدمها، ومسدسه الذي غنمه من مُعتدٍ صهيوني يومًا، يلفظ مخزنه بعد أن نفدت الذخيرة، هذا حسب تقارير الصهاينة أنفسهم؛ فالرجل لم يترك لهم رصاصة إلّا وأفرغها في ميدان المعركة، وهذا دليل على شجاعة وبسالة السنوار، الذي اضطر المعتدون بعد تلك الملحمة البطولية معه، إلى طلب دبابة لتدمير المبنى كاملًا، فبُترت ذراعه، وهنا لم يستسلم ما دام هناك رَمق لمُقارعة الأعداء، فارسلوا ذبابتهم (الطائرة المُسيّرة) لتستكشف المكان الذي استعصى عليهم اقتحامه طوال خمس ساعات؛ لتنقل لهم صورًا بأنَّ الأسد ما يزال يقاوم في عرينه، بعد أن هش ذبابتهم بعصاه التي أصبحت أيقونة مُلهمة لكل الأحرار في العالم.
لقد أصبحت عصا السنوار تجوب الآفاق لتذُب عن حياض الحرية والكرامة ليس في فلسطين فحسب؛ بل في كل بقاع الدنيا، أينما وُجِدَ الظلم والطغيان، فاستلهم منها اليابانيون شخصية جديدة توازي محارب الساموراي العظيم في حضارتهم، وزاحم السنوار أيقونة النضال الأشهر ونصير الحرية تشي جيفارا. إن عصا المجاهد يحيى السنوار حسب آخر إفادات المجاهدين في ثغور غزة، ليست مجرد قطعة حطب تحسَّسها الرجل من حوله ليقذف بها ذبابة الصهاينة؛ بل كانت هدية من سيدة غزَّاوية فقدت زوجها وجميع أبنائها في "طوفان الأقصى"، وصادف أن قابلها القائد وهو يتفقد الأحياء، فقدَّم لها واجب العزاء في مُصابها، وقالت له "لله ما أعطى ولله ما أخذ، إليك بهذه العصا هي كل ما تبقى لديَّ"، ومن يومها صارت لا تُفارق الرجل حتى استُشهِد، فشكَّلت عصا هذه السيدة الصابرة والمحتسبة آخرَ مشهدٍ في حياة القائد، الذي لم يلِن لأعدائه، ولم يعترف لهم بوطنٍ على حساب أرض فلسطين يومًا، وفارق الحياة بعِزةٍ وكرامةٍ وموقفٍ سجَّله التاريخ بأحرفٍ من نور في سجلات النضال.
استنفد مجرم الحرب نتنياهو وزمرته من المتطرفين في الحكومة الصهيونية بدعم أمريكي وغربي، كُلَّ طُرق القتل والإبادة والتجويع والتهجير اليومي من حي إلى حي منذ بدء "طوفان الأقصى"، ومارسوا كل الأفعال المُشينة والسلوكيات الشاذة التي لا تمُت بصلة للإنسانية التي يدّعونها، ونفَّذوا أبشع الجرائم بحق النساء والأطفال والعجزة، ومنعوا وصول الماء والغذاء والدواء والطاقة عن أكثر من مليوني إنسان منذ عام ونيف؛ لاستعادة 100 أسير في حوزة المقاومة، لم يجدوا لهم سبيلًا. وبعد كل ذلك الصلف والإجرام، هل يتوقع نتنياهو اليوم بعد كل هذا الرصيد من الدماء والدمار أن يتراجع المجاهدون؟ وهل يتوقع مرونة في استعادة أسراه؟ لا شك أنَّه واهمٌ؛ فالحساب أصبح عسيرًا، والتكلفة باتت عالية، والسقف بلغ عنان السماء، ولا بديل عن العيش بكرامة أو الاستشهاد دفاعًا عن الدين والأرض والعرض.
ستُلاحِق عصا السنوار مجرمي الحرب أمثال نتنياهو وجالانت وسموتريتش وبن غفير والحكومة الصهيونية المتطرفة، وستُلاحِق قطعان المستوطنين في كل شبر من أرض فلسطين، وستأتي على كل الأحلام الوردية للمُطبِّعين مع الكيان الغاصب، وستكون بمثابة بداية النهاية للغرب المُتجَبِّر الذي وقف خلف الظلم وأمده بالمال والرجال والسلاح، ووفَّر له الغطاء السياسي لارتكاب كل تلك الجرائم البشعة. ستُلاحِق عصا السنوار كل نظامٍ تواطأ مع هؤلاء القتلة المجرمين، وستأتي الدائرة عليهم؛ فالجزاء من جنس العمل، والله لا يظلمُ أحدًا.
وأخيرًا.. لقد أصبحت عصا السنوار أيقونة لكل عربي حُر، ولكل مسلم ينافح عن دينه وأرضه وعرضه، ولكل أحرار العالم، ولا شك أن جميع المشاهد مُسجَّلة بدِقةٍ في الذاكرة الإنسانية، وستصعد يومًا إلى السطح.. حينئذٍ سيتغير المشهد تمامًا، وسيأخذ كل ذي حق حقه.