إذا طاح الجمل.. كثرت سكاكينه!

 

د. إبراهيم السيابي

يقول المثل الشعبي: «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه»، وقد اختير الجمل دون سواه لأنه يُعد مضرب المثل في القوة والتحمل، فيوصف الرجل الذي يصبر على الشدة ويقدم على المهمات ولا يهتم بصغائر الأمور بالجمل، ومنذ القدم، كانت العرب- خاصة البدو الرحل والمسافرون للديار البعيدة- تختار الجمال دون بقية الدواب التي عادة لا تتحمل المسافات ولا الحِمل الثقيل، بينما الجمل قد يحمل كل ما لديهم ويحملهم أيضًا مع الحمل الذي على ظهره ليقطع مئات الأميال.

وكان الرجل الشهم صاحب المروءة والنخوة والذي يُعرف بطول البال والقدرة والكياسة والقدرة على تحمل الضغوطات والمهمات المختلفة وقيادة الأمور، يُشبَّه بالجمل، والنَّاس تفرح بتشبيههم بالجمل لمعرفتهم بالمقاصد من ذلك التشبيه.

لكن أي رجل بعض الأحيأن ومهما كانت لديه من قدرات وصفات وقدرة على التحمل، أو مهما كان كريماً أو قوياً شجاعاً وصاحب حمية يواجه الشدائد ويتحمل عن نفسه وعن أهله وجماعته، إلا أنه قد تضعفه ظروف الحياة أو قد يمر بمواقف قد تكون في بعض الأحيان دون إرادته ولم يستطع أن يدفعها وبالتالي لا ناقة له فيها ولا جمل، وقد تكون هذه الظروف لايستطيع أن يتحملها فهي أقوى من قدراته مهما كان، مما قد يعرضه إلى السقوط في هذه الظروف ويصبح بين ليلة وضاحها في وضع آخر وحالة أخرى غير تلك الحالة التي كان عليها قبل تلك الظروف، ومن كانوا يُعتقد أنهم في يوم من الأيام قد يمدون له يد العون والمساعدة أو يقفوا إلى جانبه ويشدوا عضده، على العكس من ذلك يكون عرضة لألسنتهم ويحاولون في بعض الأحيان أن ينالوا منه ومن المكانة التي وصل إليها في المجتمع.

ما دفعني إلى هذا الحديث هو ما لمسته من تحول في المواقف في معاملة بعض الأشخاص في المجتمع، وأخص بالذكر الذين كانوا في وظائف حكومية سواء كانت قيادية أو غيرها من وظائف، فقد ترك البعض الوظائف الحكومية برغبته أو بحكم القانون أو لأي سبب آخر من الأسباب.

وهناك من يحاول أن يسقط على هؤلاء جل الإسقاطات أو يلصق بهم أي إخفاق حدث أو يحدث في المجتمع، بل البعض ذهب بعيدا بأنهم سبب كل هدر لأي موارد أو طاقات سابقة أو حالية وبالتالي يحملهم ما لايطيقون، مثل هذا التشبيه هو ما ينطبق على المثل إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه.

لهذا علينا في هذا المجتمع الذي عُرف بالتسامح والتعاضد والتكاتف، أن نرفض مثل هذه الأفعال ونعتبرها أفعالًا شاذة لا تمت لهذا المجتمع بأي صلة؛ إذ إن تعاقُب القيادات من سنن الحياة، وتداول السلطة من العناصر المُهمة لنجاح أي تنظيم إداري وبالتالي وجود أشخاص جُدد باستمرار، اليوم بالسلطة وغدا خارجها، وهذا أمر طبيعي. ولأسباب كثيرة لا نرى مبررا لحصرها، وتبقى الفترة التي قضاها الأشخاص في الوظيفة خاصة إذا كانت وظيفة قيادية هي جزء من الماضي نرصد ما تم إنجازه ونرصد مدى تحقق الأهداف ونرصد أي انحراف في هذه الجانب وأسبابه لكي نتجنبه ونرصد الأدوات والموارد اللازمة لتحقيقه في المرات القادمة، ونخطط للمضي ونكمل الطريق للمستقبل.

وعلى الأشخاص كذلك أثناء تحملهم المسؤولية الاجتهاد واتباع القانون واللوائح والأنظمة المنظمة للأعمال وأن ببذلوا أقصى ما عندهم لتحقيق الأهداف المرجوة منهم والبعد عن تحقيق مكاسب شخصية من الوظيفة أو التقاعس عن أداء الواجب، حتى يتركوا أثرا طيباً عند مغادرتهم الوظيفة وبالتالي لا يعاملون معاملة الجفاء من افراد المجتمع أو يحاولون الاتنقاص منهم ومن ما قاموا به من أعمال، و تبقى المدينة الفاضلة هي من وحي الكتب والمؤلفات ويبقى الإنسان هو الإنسان بأخطائه متعمد أو غير متعمد ويبقى القانون هو سلاح الحوكمة في كل أمر.

وكذلك هناك فئة في المجتمع، أقاموا مشاريع تجارية بذلوا من أجلها الغالي والنفيس وبذلوا فيها الجهد الجهيد، واجتهدو ولم يقصروا في أي شي يتعلق بهذه المشاريع، ولكن في الأخير هي إرادة الله، وهناك ظروف خارجة عن إرداتهم تتعلق بالسوق والقوة الشرائية والمنافسة وغيرها، وهذه المشاريع قد لا يكتب لها النجاح، وترتب على هذا الأمر وجود التزامات على هؤلا الأشخاص لمؤسسات أو أفراد، ولكن من الملاحظ أن بعض الأشخاص يعاملونهم معاملة مهينة، خالية من الرحمة بالتهديد والوعيد، والتقاضي في المحاكم، وهم نفس الأشخاص الذين كانوا يتعاملون معهم ومستفيدين من وجود مشاريعهم ولكن يقلبون لهم ظهر المجن كما يقولون.

ويظهر الوجه القبيح من هؤلاء الأشخاص، بمسمى الحقوق، وكأن باب الرحمة قد أغلق بين النَّاس، وبالتالي ينطبق على مثل هؤلا المثل "إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه".

في الختام.. فلنتذكر أنَّ هذا المجتمع الأصيل يزخر بالكثير من العادات والقيم المتوارثة والمستمدة من ديننا الحنيف يتوارثها جيل بعد جيل، وما يُميز هذا المجتمع دون غيره هذا الكم من التسامح والتكاتف والتعاضد، وما يجري على أخيك قد يجري عليك في يوم من الأيام وجبر الخواطر هي من الفضيلة، فاجبروا خواطر النَّاس ولو بكلمة وحالوا أن تمنعوهم من السقوط وإذا سقط أحدهم مدوا لهم يد العون والمُساعدة لكي ينهض ولا تسنوا سكاكينكم نحوهم.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة