علي بن مسعود المعشني
رغم التعتيم الإعلامي الكبير، والقوانين والتعليمات العسكرية الصارمة بداخل الكيان الصهيوني، بعدم نشر ما من شأنه التأثير على المعنويات العامة والعسكرية منها على وجه الخصوص، من تفاصيل طوفان الأقصى المبارك، إلّا أنَّ الكيل قد طفح بالبعض من السَّاسة والكُتَّاب والمفكرين والمؤثرين بداخل الكيان، ودفع بهم إلى البوح بكافة "المُحرَّمات والممنوعات" عن واقع كيانهم ومصيره المحتوم.
لم يكن قبل الطوفان يسمع أحد عبارة "إسرائيل دولة بلا مُستقبل"، ولا عبارة من شاكلة "نبوءة" المؤسس ديفيد بن جوريون "نهاية إسرائيل ستكون على أيدي الجيل الثالث"، وهو جيل النتن ياهو وجالانت وسموتريش.
الصهاينة اليوم لم يعد التطبيع أو حل الدولتين يحملان أي منجاة لهم من الزوال، لأنَّه في السابع من أكتوبر المجيد وُلِدَ خيارٌ جديد ومنعطفٌ خطير في الصراع العربي الإسرائيلي عنوانه "فلسطين عربية من النهر إلى البحر".
هذا الخيار لم يكن حاضرًا خلال السبعة عقود الماضية من الاحتلال، في زمن المناوشات والمواجهات شبه الوديّة بيننا وبين العدو الذي قيل لنا إنِّه "لا يُقهر"! أما في زمنٍ قَهَرْنَا فيه العدو بالصوت والصورة وعلى الهواء مُباشرةً، فإنَّ هذا العنوان أصبح خيارًا مُتاحًا وأقرب إلينا من حبل الوريد، وسيكون عنوان وشعار وخيار القادمين حتى مطلع الفجر.
دولةٌ بلا مستقبل يعني دولة إلى زوال، وأن يأتي اليوم من يتحدث بلغة جديدة ومن داخل الكيان نفسه ليُعرِّف الحالة في فلسطين على أنها مواجهة بين مُحتل ومناضلين من أجل تحرير بلادهم، وليس صراعا أو نزاعا، وكأن الطرفين أصحاب حق بالتساوي واختلفا على قسمته.
لم تكن فلسطين حاضرة وبقوة في الضمير العالمي، كما هي حاضرة اليوم، ولم تكن فلسطين بوصلة أحرار وضمير العالم، كما هي اليوم، وهذا كله بفضل تجاوز الشعوب للمنظومات والسرديات والرقابة الرسمية، وجعلهم لوسائل التواصل منظومة موازية ماضية ومؤثرة.
ولم تكن قضية فلسطين في وجدان الشعب العربي كما هي اليوم؛ حيث يقود التحرر فتية آمنوا بربهم وقرروا مصيرهم بكامل قواهم وحواسهم وعقائدهم، بعد خذلان وإذلال لعقود لخيرِ أمّةٍ أُخرجت للناس، على أيدي أقوام طارئة على التاريخ والحضارة والإنسانية معًا.
المقاومة اليوم تمتلكُ حواضن شعبية وجغرافية وضميرًا عالميًا لم تكن فيما مضى تتوفر لها بسعة وحجم اليوم، بسبب تغلغل السرديات الصهيونية في عقولنا، ونجاحها في تغييب الوعي وثقب الذاكرة.
مشكلة الكيان الصهيوني ورعاته ورابطة مشجعيه اليوم، ليست في تحييد سلاح المقاومة وضبط إيقاعها بعد الحرب؛ بل في كيفية تمرير سرديات جديدة تُسفِّه الجهاد والنضال، وتنثُر فتات الدين وتتجنب لُبَهُ وعمق مقاصده.
سبحان من سخَّر لنا الطوفان وجعل لنا من حل الدولتين مطيةً للتحرير الكامل، بعد أن كان مطيةً ووسيلة للعدو في السيطرة على كامل فلسطين، عبر "أوسلو" وأخواتها. والحمد لله على نِعَم المُسيَّرات والصواريخ البالستية التي قرَّبت المسافات وحقَّقت الغايات، وما بعد الغايات، وجعلت النخوة العربية عابرةً للأجيال والحدود.
قبل اللقاء: "فاجعة" طوفان الأقصى للكيان وساكنيه لم تُشكِّل صدمةً تاريخيةً لهم فحسب؛ بل جعلتهم يُقلِّبُون في كتب ووصايا أجدادهم عن مصيرهم المحتوم، وكعادة اليهودي "إذا أفلس يقلب في دفاتر جده"!
وبالشكر تدوم النعم.