ما يقوله المنذر في الاقتصاد!

أنيس بن رضا قمر سلطان

 

استعينُ من الحين والآخر بالمنذر. المنذر ليس برجل اقتصادي، بل امرئ بسيط في كلامه، متواضع في طموحه، ولقد لاحظت في عفويته غيرةً على البلاد وأعجبتني مًلاحظاته. ومع أن المنذر شخص يعيش في خيالي فقط، إلّا أنه يساعدني، وعلَّه يُساعد القارئ في التفكُّر فيما يعترض الحياة.

 

يقول المنذر: مو ذا الاكتتاب؟ عارف إنه زين. لكن ليش سعر المُستثمر الأجنبي أعلى؟

أُجيبه بأنَّ الشركة المصدرة تود أن تمنح المواطن فرصة أعلى في الاكتساب.

  • همم. بس إحنا نريد نشجع المستثمر الأجنبي. ونحسب كل سنة كم من مليار دخل البلد.
  • نعم، فتحنا باب الاستثمار لهم في أعزَّ وأغلى ما عندنا من شركات.
  • ما الأحسن نسَكِّر عنهم النفط والغاز... يعني في الاكتتاب. وخلي كل الأسهم حالنا. وبعدين خلهم يشتروه في السوق. حالهم حالنا!
  • يعتقد البعض أنَّ عدد الأسهم كبير علينا، وقد يكون أكبر اكتتاب في المنطقة.
  • خلي عنك! الخير كثير. دايما تقولو الناس فلوسها بره. خليها ترجع!

 

تأملت في كلامه، وكنت على وشك أن أثني على رأيه وأجاريه قائلاً إنه من الممكن أن نحصر الاكتتاب على مواطني دول المجلس مثلاً، ونخلق واجهة استثمارية جيدة لدول الجوار.

 

  • أخَبْرَك شي؟ حتى سعر زوار المتاحف عالي على السياح. تَوْ مو الرسالة أريد أفهم؟ حتى السايح اللي يالله يالله يوصل عندنا يدفعله ثلاث مرات المواطن. يعني احسب معاي. واحد مع حرمته وعياله بيدفع ثلاثين أو أربعين ريالا بس عشان يدخل قلعة. كم صار هذا بالدولار؟ ميّه؟ تدفعها أنت حين تسافر؟
  • في دول كثيرة تُفَرِق ف...
  • لحظة. لحظة من فضلك. هذي الدول هي مثلنا الأعلى؟ عطنا أمثلة غيرها. وترى المتاحف والقلاع ما ترد ثمنها برسوم الدخول. هذه دعاية للبلد.
  • آه...
  • أنا أخَبْرَك. ترى ما أنت الوحيد اللي مسافر بره. في دول دخول المتاحف فيها مجاني. للكل.
  • أخي المعتصم، دع
  • المنذر! لا تنسى اسمي.
  • عفواً
  • أَخَبْرَك. حتى ما تنسى، اسمي منسوب إلى المنذر ابن النعمان ابن ماء السماء. ها، تقدر تنسى الاسم تو؟ من ملوك الحيرة لو تعرفهم.
  • نعم، نعم.
  • ولا تعرفهم ولا شي. المهم، إحنا نريد فلوس الأجانب، لكني أشوف جالسين ن ... ويش أقول، جالسين ... يعني هم بشر يحسو مثلنا.
  • أشعر بأنه لديك مثل آخر. متردد؟
  • ما متردد، لكنه موضوع حساس. موضوع الساعة كما يقولو.
  • هات ما عندك.
  • دكتور. دكتور أنت مع هاللغة؟
  • أبدا، أنا فقط أرحب وأستنير بآرائك.
  • الموضوع هو ما غيره، المعاشات والوظايف.
  • وضِّح لو سمحت.
  • خلني أقربلك الفكرة. والمثل دارج عند الكل. لو عندي محل، أبيع فيه... مواد غذائية. أو مطعم. الطباخ الأجنبي يقبل راتب أقل من المواطن بالثلث. إذا الله رزقني ونجح المطعم وأريد أوظف طباخ عماني لازم أزيد راتب كل الطبابيخ. يعني تكلفتي أعلى من غيري خصوصا اللي ما يوظف مواطن. السؤال يا أستاذ، ليش ما يكون حد الراتب الأدنى متساوي للكل؟
  • يعني نزيد التكلفة على الكل؟
  • لا. يعني منافسة عادلة.
  • ولكن إذا قبل أحدهم بالراتب الأقل؟
  • القانون قانون. أو... افتح السوق بلا حد أدنى!
  • أعتقد أننا بحاجة لدراسة تبعات مثل هذه الخطوة.
  • خطوة جريئة؟ مو رايك؟
  • إذا يساعد.

 

ورأيت في عينيه " خطوة جريئة" أخرى. فشجعته قائلا: لديك مثل آخر؟

 

  • عندي أمثلة... ويش تريد، كهرباء، مياه الشرب.
  • نعم. لكن أين المشكلة في مساعدة المواطن؟
  • هذا ما قصدي. ساعد المواطن. لكن خلني أقربلك الفكرة، مرة ثانية. سمعت عن سوق سودة؟ لا تجاوب، أكيد سمعت ويمكن اشتريت منه.
  • مثل ماذا؟ وبدا التأفف في صوتي.
  • ترى السوق السودة ما بس في السلع، سمنت، مواد بنا، حتى سيارات. وغيره ناس يشتروه ويهربوه من بره، والتاجر هنا يخسر.
  • نعم، عندما يكون فارق السعر عاليا تتجه كل الحواس لاصطياد الفرص.
  • نعم، دكتور. نفس الشي في الوظايف والأجور. بس ما هني المصيبة.
  • أين المصيبة يا منذر؟
  • المنذر!
  • أين المصيبة يا المنذر؟
  • كنت أكلم ابن اختي في نفس الموضوع، وهو عطاني مَثَل الاكتتاب هذا، والسوق السودة فيه، فقلتله: وين السوق هذه؟ قلّي بكل ببساطة: مين يعرف إذا حد من الأجانب عطى فلوسه لمواطن وقسموا الربح بعد التوزيع. سألته: عملتها أنت يا ولد؟ فرد عليّ وكأنه خجلان من الجواب: السؤال يا خال، ما مين يعملها، لكن مين ما يعملها؟ وضحكت على دمه البارد، ولكن أختي كانت تسمعنا وفي بالها الحين أني متآمر معاه.

تعليق عبر الفيس بوك