العلاقة المتبادلة بين الاقتصاد البرتقالي والتحول الرقمي (3-3)

 

 

 

عبيدلي العبيدلي **

الفرص التي تتيحها علاقات التبادل

 

  •  يؤدي التآزر بين المجالين إلى ابتكارات تتجاوز الحدود الاقتصادية. يعزز الاقتصاد البرتقالي دمج التكنولوجيا والإبداع المتمركز حول الإنسان، منتجًا صيغًا تجريبية جديدة تماما — مثل الأعمال الفنية بالواقع المعزز، وعروض الموسيقى الغامرة، والمقتنيات الرقمية المبنية على NFT. هذه الابتكارات لا تغذي صناعات جديدة فحسب، بل تساعد المجتمعات أيضا على أن تصبح أكثر حيوية ثقافيا، ومرونة، ومرونة في مواجهة التغيرات التكنولوجية.​
  • علاوة على ذلك، فإن الاعتراف بهذه العلاقة المتبادلة والاستثمار فيها بشكل استراتيجي ضروري لتعظيم إمكاناتها التحويلية. لقد أثبتت السياسات التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية الرقمية، وخفض الحواجز الإدارية أمام الأعمال الإبداعية، وتطوير مهارات الفنانين ورواد الأعمال في الثقافة الرقمية ضرورية للنمو الاقتصادي المستدام وتحقيق العدالة الاجتماعية الأكبر. يمكن للنماذج التعاونية، سواء بين الحكومات أو شركاء القطاع الخاص أو التحالفات العابرة للحدود، أن تسرع انتشار أفضل الممارسات والابتكار، مما يضمن بقاء الاقتصاد البرتقالي محركا للنمو الشامل والفرص الإبداعية عبر مجتمعات متنوعة.​
  • يوسع التحول الرقمي نطاق الانتشار العالمي ونماذج تحقيق الدخل للقطاعات الإبداعية، بينما يعد المحتوى الإبداعي المحرك الرئيسي لنمو الاشتراكات الرقمية، واعتماد الأجهزة، وتطورات البرمجيات الجديدة.​
  • تتبنى الصناعات الإبداعية تقنيات رقمية جديدة (الذكاء الاصطناعي، البلوك تشين، السحابة)، والتي بدورها تصبح محركات ابتكار لقطاعات التكنولوجيا، مما يغذي التوسع المتبادل في السوق وخلق فرص العمل في النهاية، لا يعزز مزيج الإبداع والتحول الرقمي الناتج المحلي الإجمالي أو التوظيف فحسب، بل يلهم أيضا طرقا جديدة للعيش، والتواصل، والتعبير عن الهوية.
  • يوفر هذا النظام البيئي النابض بالحياة، المدعوم بالتأثير المتبادل، الموارد والمرونة التي تحتاجها المجتمعات لمواجهة التحديات المستقبلية، وتعزيز التنويع الاقتصادي، وإثبات نفسها كقادة في مشهد عالمي سريع التطور.​​

التحديات التي تولدها علاقات التبادل

على نحو مواز، تولد العلاقة المتبادلة بين الاقتصاد البرتقالي والتحول الرقمي مجموعة معقّدة من التحديات البنيوية والتنظيمية والثقافية. ويمكن تصنيف هذه التحديات على النحو الآتي:

أولاً: التحديات الاقتصادية والتمويلية: صعوبة قياس القيمة الاقتصادية:

  1. كثير من منتجات الاقتصاد البرتقالي رقمية أو رمزية (محتوى، تصميم، فنون، ألعاب، تراث رقمي)، ما يجعل قياس قيمتها السوقية والعائد الاستثماري تحدياً للممولين والبنوك.
  2. ضعف الوصول إلى التمويل: ميل المؤسسات المالية التقليدية إلى تمويل المشاريع الملموسة، بينما ترى المشاريع الإبداعية الرقمية عالية المخاطر، خصوصاً في المراحل المبكرة.
  3. اختلال نماذج الإيرادات: يفرض التحول الرقمي نماذج جديدة (اشتراكات، منصات، اقتصاد المؤثرين) لا تزال غير مستقرة أو واضحة العائد في كثير من الدول العربية.

ثانياً: التحديات التكنولوجية

  1. الفجوة الرقمية: عدم تكافؤ الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة، والحوسبة السحابية، وأدوات الذكاء الاصطناعي، يحدّ من مشاركة المبدعين في الأطراف والمناطق الأقل نمواً.
  2. الاعتماد على منصات عالمية: هيمنة منصات دولية كبرى تجعل المبدع المحلي تابعاً لشروط خوارزمية وتسويقية لا يملك السيطرة عليها.
  3. سرعة التقادم التقني: تتغير الأدوات الرقمية بسرعة تفوق قدرة المؤسسات الثقافية والتعليمية على التكيّف والتحديث المستمر.

ثالثاً: التحديات القانونية والتنظيمية

  1. حماية الملكية الفكرية الرقمية: تهدد سهولة النسخ وإعادة النشر حقوق المبدعين، خاصة في البيئات التي تفتقر إلى تشريعات رقمية فعالة.
  2. غياب أطر تنظيمية حديثة: لا تزال الكثير من القوانين الثقافية والاقتصادية مصممة لعصر ما قبل الرقمنة، ولا تستوعب الاقتصاد الإبداعي الرقمي.
  3. تداخل الاختصاصات المؤسسية: يقع الاقتصاد البرتقالي بين وزارات الثقافة، الاقتصاد، الاتصالات، والتعليم، ما يخلق ارتباكاً في السياسات والمسؤوليات.

رابعاً: التحديات البشرية والمعرفية

  1. نقص المهارات الرقمية الإبداعية: هناك فجوة بين التعليم التقليدي ومتطلبات الاقتصاد الإبداعي الرقمي (التصميم الرقمي، إدارة المنصات، تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي).
  2. هشاشة العمل الإبداعي الرقمي: خلق التحول الرقمي وظائف مرنة لكنها غير مستقرة اجتماعياً، تفتقر للحماية الاجتماعية والتأمينات.
  3. مقاومة التغيير الثقافي: ينظر بعض المجتمعات والمؤسسات الثقافية للرقمنة كتهديد للتراث، لا كوسيلة لحمايته وإعادة إحيائه.

خامساً: التحديات الثقافية والقيمية

  1. تسليع الثقافة: احتمال تطوير التحول الرقمي، المنتج الثقافي إلى سلعة استهلاكية سريعة، على حساب العمق والهوية.
  2. تآكل الخصوصية الثقافية: قد تفرض العولمة الرقمية أنماطاً ثقافية مهيمنة تُضعف التعبير المحلي واللغوي.
  3. اختلال التوازن بين الإبداع والتقنية: هيمنة التكنولوجيا، في بعض الحالات، على المحتوى، فيتحول الإبداع إلى مجرد أداة تقنية لا رسالة إنسانية.

سادساً: التحديات الاستراتيجية في العالم العربي

  1. غياب الاستراتيجيات الوطنية المتكاملة: يتعامل الكثير من الدول العربية مع التحول الرقمي والاقتصاد البرتقالي كمبادرات منفصلة، لا كمنظومة واحدة.
  2. ضعف البيانات والإحصاءات: يعيق غياب قواعد بيانات دقيقة حول حجم الاقتصاد البرتقالي الرقمي التخطيط وصنع السياسات.
  3. تفاوت المشاركة النسائية والشبابية: رغم أن الاقتصاد البرتقالي بطبيعته شامل، إلا أن الفجوات الجندرية والمجتمعية لا تزال قائمة رقمياً.

خلاصة

إن الطبيعة المتشابكة العميقة لاقتصاد أورانج والتحول الرقمي تؤدي إلى دورة قوية تعزز بعضها البعض تعيد تعريف أسس النمو والشمول والابتكار في القرن الحادي والعشرين. الصناعات الإبداعية—بدءا من التصميم والسينما إلى الموسيقى والنشر الرقمي والألعاب—لا تطالب فقط بتطوير تقنيات رقمية متطورة، بل تعمل أيضا كمنصات اختبار حيوية حيث يتم تطبيق هذه التقنيات وتنقيحها وانتشارها على نطاق واسع.​

التحول الرقمي، بدوره، يوسع نطاق وتأثير الأنشطة الإبداعية من خلال توسيع وصولها إلى السوق، وتنويع مصادر الإيرادات، وديمقراطية المشاركة. بفضل المنصات والأدوات الرقمية، لم يعد الإنتاج الإبداعي محصورا بالجغرافيا أو قنوات التوزيع التقليدية أو البنية التحتية المادية، مما يسمح للمبدعين من المناطق النائية أو المجتمعات المهمشة بتصدير مواهبهم إلى العالم. يعد هذا التعزيز في الترابط والتفاعل أمرا بالغ الأهمية بشكل خاص في الاقتصادات النامية والدول الجزرية الصغيرة، حيث يمكن الرقمنة التنويع الاقتصادي الوطني وتخلق مسارات جديدة لخلق القيمة ونمو الصادرات.​

** خبير إعلامي

الأكثر قراءة

z