عين جالوت هل من عودة؟

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

تعيش الأمة العربية والإسلامية هذه الأيام ربما أصعب الأيام وانكسارا ما بعده انكسار بلا رأي ولا حيلة ولا قوة ولا تأثير، وحتى نكون مُنصفين فقد مرَّت على الأمة أحداث مشابهة وإذا أعدنا قراءة التاريخ منذ قيام الدولة الإسلامية فهناك أحداث كثيرة يصعب حصرها أو الخوض فيها.

لكن الذي يمكن ذكره هنا عن بعض الأحداث أو المواقف أن هناك العديد من المرات برغم الانتكاسات والانتكسارات، فإن الأمة قامت ونهضت بعد أن سقطت في هذا الوحل وذاك ولا يمكن ونحن نستذكر التاريخ ألا نتذكر واحدة من أشد أنواع المحن أو السقوط الذي مرت به الأمة الإسلامية وهو سقوط الدولة العباسية على يد التتار الذين اجتاحوا الممالك والبلدان في ذلك الوقت، وقتلوا وذبحوا مئات الآلاف من المسلمين وأحرقوا المدن والقرى بما فيها من معابد ومساجد وأتلفوا الكتب والمؤلفات وغيرها فقد كان غزوا بربرياً بمعنى الكلمة حاول أن يقضي على كل شيء يتعلق بالإنسان والحضارة في ذلك العصر. وقد كانوا يخدعون من يواجههم بعقد صلح مخادع وبعد أن يأمنوا لهم ويستسلموا فإنهم يقومون بإحكام السيف والقتل فيهم واستمروا في غيهم وبطشهم وأشاعوا في البلدان أنهم الجيش الذي لا يُقهر حتى أتى نصر الله على يد السلطان المملوكي سيف الدين قطز؛ حيث تمت مواجهة هؤلا الغزاة في موقعة عين جالوت في 25 رمضان 658 هجرية وهزموهم شر هزيمة، وخلصوا المسلمين من شرورهم، بالرغم مما كان راسخًا في حينه في أذهان البلدان والممالك بأن جيش التتار لا يقهر ولا طاقة لأحد بمواجهته.

هذا حدث واحد وبرغم من أهميته فإن هناك الكثير من الأحداث المشابهة تعرضت فيها الأمة إلى نكبة أو نكسة وتعود بعدها إلى االنهوض والانتصار وربما سوف نحتاج إلى مجلدات لحصرها، والعود لذي بدء وما تتعرض له الأمة من أحداث عسيرة، سوف نعود قليلا إلى الوراء ونتتبع الأحداث فإن هذه الأمة بعد حقبة الاستعمار والنكبة واقتطاع جزء عزيز من جسد الأمة؛ وهو أرض فلسطين التي تضم في ترابها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله وعليه وسلم، وهو المسجد الذي بارك الله حوله.

يجب أن نعترف مع الأسف بأن هذه الأمة قد تركت البناء الذي أمرنا الله به، وهو بناء الإنسان فتخلفت عن الركب، ولم تعطِ الاهتمام الكافي لتنمية الموارد والاهتمام بالتخطيط والرقابة وبالبحث العلمي والابتكار والصناعة وبناء المؤسسات ومد يد التواصل والتقارب بين القيادات والشعوب.

وبالرغم أن الصراع بين هذه الأمة والأمم الأخرى هو صراع عقيدة والتآمر عليها لكي تبقى في ظل التخلف والحاجة والضعف والانقسام، أمر لا يمكن إغفاله وهو بلاشك موجود، لكن في الحقيقة ليس هو السبب وحده، إنما الجزء الأكبر من هذه المسؤولية يقع على عاتق الأمة وما آلت إليه الأمور.

نعيش هذه الأيام، والنيران مشتعلة في غزة تحرق الأخضر واليابس وتدوس آلة الحرب الظالمة على أهل غزة وتحصد الأرواح وتتدمر القرى والمدن؛ حيث بلغ أعداد الشهداء ما يزيد عن 40 ألفًا، وهناك عشرات الآلاف من المصابين وهناك أجساد وجثامين أخرى تحت الركام.

قتل وإبادة لشعب مظلوم يطالب بحقه في الحرية وإقامة دولته على أرضه المسلوبة، ولا يستطيع أحد تحريك أي ساكن، ثم تنتقل الحرب إلى لبنان ويصرح رئيس قطعان التتار الجديد ويهدد ويزمجر بأنَّ أهل لبنان سيصيبهم ما أصاب غزة من قتل وتدمير. إنه اعتراف صريح أمام أنظار العالم المنافق دون خوف أو رادع من أي عواقب بأنه يدمر غزة ويقتل أطفالها ونسائها وشيوخها العزل وسوف يدمر أي مكان، لا يخضع لعربدته وهوسه وجنونه.

أليس هذا هو نفسه ما يشبه غزو التتار البربري الذي كان يُمعن في القتل بلا أي خوف في القتل لكل من يقابل في المدن والقرى سوى كان جنودًا أو مدنيين؟ اليس ما يقوم به هذا الكيان الغاصب من اجرام من قصف المدنيين العزل بالطائرات والقنابل وتدمير ممنهج لكل مقومات الحياة في غزة والان لبنان مشابه بما قام به التتار في ذلك الوقت؟ أليس التتار من كان يخون العهود ويوهم الممالك بالسلام وبعدها يستبيح دم الممالك ويدمرها ليفرض سيطرته وهيمنته؟ اليس هذا هو ما يحصل الان من هذه الدولة الغاصبة ومن يساندها من قوى البغي والشر؟

لقد كانت الممالك والولايات في ذلك الوقت قبل موقعة عين جالوت ضعيفة متفرقة وخائفة من بطش التتار، ولكن تجمعت رغم ضعفها ولملمت جراحها وذهبت لمقابلة التتار في موقعة عين جالوت وانتصرت بفضل الله وقضت على جيوش التتار الذي وصف بالذي لايقهر قي ذلك الوقت.

هل ما نشهده بعزة الله ونصره عين جالوت أخرى ونيران طوفان الأقصى ورجاله الاشواس بما سطّروه من بطولات وثبات دفاعًا عن الأمة وعن مقدساتها، هي ما سوف تحرق تتار هذا العصر وتحقق النصر المبين وتعيد للامة ما بقى لها من كرامة وعزة، وفي مجال مفتوح يقبل كل الأراء؟ سأترك الإجابة لكم وللايام وليس ذلك على الله بعزيز.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة