قرية ونُزل السوجرة.. فراشة الجبل الأخضر

 

د. خالد بن عبدالوهاب البلوشي

 

ما إن تطأ أقدامك مشارف قرية السوجرة في ولاية الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية، إلّا وتحتفي بك فراشات ذات ألوان زاهية، وكأنَّها تزف وصولك، وتُعلن مقدم ضيوف النُزل فتتوالى جموع الفراشات وتلتف حولك حتى تصل بك إلى مدخل النزل.

على ارتفاع أكثر من 2000 متر فوق سطح البحر تقبع تلك القرية الأعجوبة والتي أبى أهلها أن يهجروها، فهي قرية من ضمن آلاف القرى في سلطنة عمان التي رفض  أن يتركها أهلها وحيدة، فاجتمعوا وقرروا أن يعيدوا إحياء تلك الأعجوبة؛ فأصبحوا مهندسين ومُصممين معماريين وفنيين وعمال وبسواعدهم القوية رجالًا ونساءً رمّموا وأعادوا بناء القرية من جديد وتحولت منازلهم المبنية والمنحوتة في كهوف القرية إلى 11 غرفة فندقية قمة من الروعة والأناقة. لقد أصابتني الدهشة عندما علمت بأن أصحاب النزل لم يستعينوا بخبراء أو مهندسين من الغرب أو أي مكان آخر، وبأنفسهم خططوا وصمموا النزل كاملًا. ومع تعاون ودعم من وزارة التراث والسياحة، والتي ساهمت مشكورة في تجهيز وإعداد مدرج وممشى يتيح للزوار الوصول إلى النزل.

وفي أثناء تلك الرحلة إلى مدخل النزل، تمر على متحف طبيعي جميل يحتضن أنواعًا غريبة وجميلة من الأشجار الموجودة في القرية، وقد وُضِعَت علامات ولوحات تحتوي على وصف تلك الأشجار، وهناك وصف لشجرة السوجر التي اشتقت القرية اسمها منها ضمن تلك الأشجار.

وتزخر القرية بجماليات عديدة ومتنوعة حباها بها الله، كما إن هناك تجارب فريدة من نوعها يستمتع بها الزائر طوال فترة إقامته في النزل، وعلى الرغم من وعورة الطريق، إلّا أن هناك إقبالًا محليًا وإقليميًا ودوليًا على زيارة القرية.

ويحتضن النزل داخله مقهى عُمانياً ولديه إطلالة رائعة على القرية فهو بحق تحفة أخرى داخل النزل.

ومن مميزات النزل أن الشباب العماني استطاع إدارة هذه المنظومة الفندقية بكل احترافية وكأنهم حاصلون على مؤهلات من أرقى مدارس الفندقة والضيافة العالمية، الأمر الذي يعكس حضور الضيافة العُمانية العفوية الحقة والتي هي مدرسة لا يضاهيها في عمقها ورقيها أحد.

بالطبع هناك بعض المتطلبات التي يتوجب ونوصي بها لتسهيل الوصول إلى هذا الموقع الجميل ومنها ضرورة وأهمية تعبيد الطريق من قرية شنوت حتى مدخل قرية السوجرة، وهو طريق ترابي بطول خمسة كيلومترات وبالفعل سيُساهم عند إنجازه في تبسيط الخدمات وترويج للنزل.

اما المقترح الآخر فهو مقترح تجهيز تليفريك من مدخل القرية إلى النزل مباشرة؛ إذ إن المسافة بين الجبلين لا تتعدى 250 مترًا، وسوف تساهم هذه الخدمة في سهولة تنقل ضيوف النزل وأمتعتهم مباشرة.

ويكفي أن نعلم أن كبرى قنوات الأخبار العالمية مثل "سي إن إن" الأمريكية و"بي بي سي" البريطانية، والعديد من الصحف العربية والأجنبية المشهورة قد تناولت في مقالات ومقاطع فيديو عديدة أخبار ومعلومات عن القرية والنزل.

إدارة النُّزل بقيادة الشاب المُفعم بالحيوية والنشاط محمد الشريقي، نجحت في دمج التقنية الحديثة وأصالة التراث معًا، من خلال استخدام أحدث التطبيقات للترويج وحجز غرف النزل، وأصبح للقرية والنزل مكان راسخ على خارطة السياحة المحلية الإقليمية والدولية.