صاروخ يمني يخلط الأوراق ويُثبت "الردع العسكري"

 

جمال بن ماجد الكندي

تزامنًا مع ذكرى المولد النبوي الشريف التي تحتفل بها الأمة الإسلامية في هذه الأيام، تُولي جماعة "أنصار الله" أهمية خاصة لهذه المُناسبة الدينية؛ فمن خلالها تتحدث عن برامجها السياسية والعسكرية، ويمثل ذلك استفتاءً غير مباشر على سياسات الجماعة التي تدير الأوضاع في صنعاء.

هذه السنة تميَّزت الاحتفالية باصطفاف جماعة "أنصار الله" وانخراطها في جبهات الإسناد للشعب الفلسطيني في غزة، وزُيّن الاحتفال بإطلاق صاروخ باليستي يمني أصاب العمق الإسرائيلي، فكان حديث الساعة. وهو الرد اليمني الذي كان ينتظره الجميع، والذي وعدت به حكومة صنعاء، فتحقق الوعد في يوم الاحتفالية. من هنا سنحاول تحليل هذا الحدث ووضعه في ميزان الردع العسكري، وهل يُعد بداية رسم معادلة جديدة يكون الجيش اليمني الذي تسيطر عليه "أنصار الله" طرفًا فيها. وقبل ذلك سنتحدث عمّا فعلته مؤخرًا جبهات الإسناد اللبنانية واليمنية، ثم نُحلل ما إذا كان الصاروخ اليمني قد حقق مُعادلة الردع العسكري أم لا؟!

أولًا: الجبهة اللبنانية؛ هذه الجبهة رسمت معادلة ردعها قبل معركة "طوفان الأقصى"، وذلك بمخرجات معركة 2006، فكانت المعادلة التي يعرفها الطرف الإسرائيلي جيدًا ورسمت حدود المواجهة بينه وبين المقاومة اللبنانية. وأُسست قواعد اشتباك جديدة، لذلك لم يتجرأ العدو الصهيوني على الخروج عن هذه المعادلة، لأنه يعلم ما سوف يلحق به. وجاءت بعد ذلك معركة "طوفان الأقصى"، فدخلت المقاومة اللبنانية في جبهة الإسناد وكانت فعّالة، وهجَّرت لأول مرة أكثر من ربع مليون مُستوطن صهيوني في شمال فلسطين المحتلة. وثبتت معادلة الردع اللبنانية تجاه العدو الصهيوني حينما ضربت القاعدة الأمنية "الوحدة 8200".

ثانيًا: الجبهة اليمنية؛ هذه الجبهة كانت وما زالت مُسانِدة لمعركة "طوفان الأقصى"، وتُركِّز تأثيرها على إضعاف الجانب الاقتصادي للكيان الصهيوني عبر عملياتها البحرية في مضيق باب المندب، ومنعها دخول أي سفينة تجارية أو عسكرية إلى موانئ فلسطين المحتلة. وأدى ذلك إلى تغيير مسارات هذه السفن إلى خطوط بحرية أطول، فزادت أسعار السلع الأساسية في الكيان الصهيوني، وأُصيب ميناء إيلات بشلل تام بسبب الحصار البحري اليمني. وذكرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حجم الخسائر وصل إلى 10 ملايين شيكل شهريًا بسبب ارتفاع تكاليف الشحن وتأخير وصول البضائع، مما زاد من تفاقم الأزمة، إضافة إلى خطط لتسريح العمال، في ظل عدم وجود بدائل فعّالة لتحسين الوضع ومحاربة الجبهة اليمنية في البحر.

النقاط المسجلة هي لصالح الجبهة اليمنية؛ لأنها استطاعت فرض معادلة بحرية مفادها: ما دامت الحرب قائمة على غزة، فالحصار البحري قائم، وقد أثبت هذا الحصار فعاليته، ولم يتمكن الحلف الأمريكي البريطاني من منعه. واليوم، نحن أمام تغيُّر كبير في قواعد الاشتباك مع الجبهة اليمنية. فقد أعلنت عبر الناطق باسمها العميد سريع انتقال المواجهة مع العدو الصهيوني إلى المرحلة الخامسة بعد مراحلها الأربعة الخاصة بالبحار، والتي كما قلنا حققت أهدافها، والدليل إفلاس ميناء إيلات.

المرحلة الخامسة بدأت بالصاروخ الذي ضرب عمق إسرائيل؛ إذ نُفِّذَت العملية "بصاروخ باليستي جديد فرط صوتي وصل في غضون 11 دقيقة ونصف، وضرب هدفًا عسكريًا في منطقة يافا في فلسطين المحتلة، وأخفقت دفاعات العدو في إسقاطه؛ حيث قطع مسافة 2040 كيلومترًا"، حسب بيان المتحدث العسكري اليمني، الذي ذكر أن هذا الصاروخ تم تطويره من قبل "أبطال القوة الجوية". والأهم أن هذا الصاروخ تخطى كل المنظومات الرادارية في المنطقة من الجيش الأمريكي والبريطاني.

ووصول هذا الصاروخ إلى العُمق الإسرائيلي وسط الاستنفار الكبير لدى الجيش الإسرائيلي تجاه ما يأتي من اليمن، يضع علامات استفهام كبيرة لدى المراقبين حول سر هذا الصاروخ، وكيف قطع كل هذه المسافة ولم يُكتشف من قبل حلفاء إسرائيل في المنطقة، وأصاب هدفًا عسكريًا على بعد عدة كيلومترات من مطار بن جوريون.

وهنا نسأل: هل هذا الصاروخ بداية الحصار الجوي اليمني على إسرائيل؟! لأنه وقع على بعد 6 كيلومترات تقريبًا من مطار بن جوريون، وهو مبرمج، وربما في المرات المقبلة سيتم برمجته لضرب المطار ضمن قواعد اشتباك معينة إذا تمادت إسرائيل وضربت مرة أخرى البنية التحتية اليمنية. هذه القواعد الجديدة التي سيؤسسها هذا الصاروخ سوف تضع النقاط على الحروف في مواجهة الجبهة اليمنية، ونعتقد أن هذا الصاروخ يمثل بداية المرحلة الخامسة، والتي سيكون عنوانها الصواريخ الفرط صوتية.

لذا، فإنَّ المعادلة اليمنية تغيَّرت، أو أنها في طور التغيُّر وتقترب من أختها اللبنانية، وهذا الأمر إذا تحقق، فسوف يزداد الضغط العسكري في الجبهتين اللبنانية واليمنية على الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد مُغادرة حاملة الطائرات الأمريكية المنطقة، والتي ربما تكون علامة من الطرف الأمريكي لعدم توسيع الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية.

ختامًا.. بعد صدمة مُسيَّرات المقاومة اللبنانية وما فعلته في القاعدة الأمنية 8200 والصاروخ اليمني الفرط صوتي، وقبل كل ذلك صمود المقاومين في غزة بعد 11 شهرًا من العدوان، هناك سؤال جوهري سيطرحه الشارع الإسرائيلي المعارض لنتنياهو: متى تنتهي الحرب وكيف تنتهي لصالح إسرائيل؟! ولسان حالهم يقول إننا نخسر في غزة ونُهجَّر من الشمال، ومحاصرون بحريًا ونخسر اقتصاديًا بسبب تعنُّت نتنياهو في قبول صفقة التبادل. فهل يُعجِّل الصاروخ اليمني الذي كان مفاجأةً كبيرةً في معركة "طوفان الأقصى" إعلان وقف القتال؟!

الأيام المقبلة حُبلى بالمفاجآت، وما علينا سوى الانتظار والترقب!