جريمة نكراء!

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

قررت الدخول إلى محل من محلات بيع الطيور لشراء بعض الاحتياجات التي تحتاج إليها الطيور، وعند وصولي الى المحل المقصود، رأيت سيارة واقفة بجانب المحل فيها أحد الآباء، كان مشغولًا بهاتفه، رفعت يدي مُسلمًا عليه، ولشدة انشغاله واهتمامه وشغفه بهاتفه لم ينتبه لي، أنزلتُ يدي مباشرة ودخلت إلى المحل بشكل مفاجئ، وتفاجأت أن في المحل طفلة لا يتجاوز عمرها 10 سنوات، وبالقرب منها العامل غير العُماني المسؤول عن البيع، وكانت حركاته مُريبة بالنسبة لي، ونظراته للطفلة أظن أنَّها كانت غريبة؛ بل وكان قريبًا جدًا من الطفلة، ولا يُوجد في المحل سواهما، وبمجرد دخولي إلى المحل ابتعد عنها بشكل سريع، وكأنَّه أحس بأنَّ هناك من يُراقبه.. أما الطفلة فقد ذهبت مهرولة إلى أبيها المشغول بهاتفه وهو جالس في سيارته تاركًا ابنته وحدها في المحل بقصد التسلية ومشاهدة الطيور.

هذا مشهد مؤلم لكنه ليس جديدًا؛ فهناك مشاهد مُشابِهة حدثت في بلادنا وفي بلدان أخرى، وتلك المشاهد عادة ما تصل إلى نهايات مأساوية، ومن تلك النهايات المأساوية والإجرامية التي أفجعت الكثيرين "الاغتصاب"، الذي بات يُهدد الكثير من المجتمعات، مُخلِّفًا وراءه أقسى الذكريات المؤلمة التي تطارد المُغتَصَب مدى الحياة في أسرته ومجتمعه.

إنَّ من بين القضايا التي تواجهها المجتمعات اليوم قضية الاغتصاب؛ حيث إن الإحصائيات العالمية تُشير إلى زيادة حوادث الاغتصاب في العالم بين الحين والآخر، ومن تلك الإحصائيات المخيفة والمُعلنة هو ما نشره موقع (World Population Review)؛ حيث يذكر أن حوالي 35% من النساء حول العالم يُعانين من بعض أشكال التحرش الجنسي، وأن 40% منهن يطلبن المساعدة، وأقل من 10% منهن يلجأن للقانون لإنصافهن. وهناك تقديرات واضحة ذكرتها الأمم المتحدة وهي تعرُّض حوالي 120 مليون أنثى، أعمارهن تقل عن سن العشرين عامًا، إلى الاتصال الجنسي القسري في مختلف بلاد العالم.

تلك الإحصائيات في حد ذاتها تجعلنا اليوم أمام مسؤولية مجتمعية وأسرية عظيمة يجب الوقوف عندها بحزم وجد واجتهاد، وذلك لحفظ أبنائنا وبناتنا من مشاكل الاغتصاب والذي يكون بدايته التحرش الجنسي.

وهنا وقبل كل شيء لا بُد من التعرف على أسباب الاغتصاب والتحرش، وهي كثيرة، لكن سنذكر بعضها على سبيل الاختصار، كالآتي:

  • أولًا: قلة الوازع الديني، فلا بُد من تنشئة الأجيال على أهمية العمل بالحلال، واحترام أعراض الناس، والدفاع عنها، وترك المحرمات المنهي عنها؛ فهي ما يتسبب في جر الكثيرين إلى التحرش والاغتصاب قال تعالى "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ".
  • ثانيًا: عدم تسهيل الاستحقاق الجنسي بالطرق الشرعية، وذلك بتصعيب مشروع الزواج، من خلال وضع العراقيل أمام الشباب كالمُغالاة في المهور، وجملة من الشروط التعجيزية، مما يجعل قسمًا كبيرًا من الشباب يعيشون الكبت الجنسي والنفسي والعاطفي، وهو ما يدفعهم أحيانًا إلى التحرش والاغتصاب والتعدي على أعراض الناس.
  • ثالثًا: متابعة الأفلام الإباحية، وهي من المُحرَّمات الضارة التي تترك الكثير من الآثار المُدمِّرة على الإنسان وتجعله يُفكِّر بالتحرش والاغتصاب. وقد قال حفيد النبي الأعظم الإمام جعفر الصادق: "النَّظرَةُ بعدَ النَّظرَةِ تَزرَعُ في القَلبِ الشَّهوَةَ وكفى بها لِصاحِبِها فِتنَةً".
  • رابعًا: عدم مراقبة الأبناء في الأماكن المغلقة التي يتواجد فيها الغرباء، كالسماح لهم بالتسوق في المحال التجارية الخالية أحيانًا من الناس عدا أصحابها؛ مما يجعل من أصحاب النفوس المريضة يُقدمون على التحرش بالأطفال واستغلال فطرتهم وبراءتهم لنيل مآربهم الخبيثة.
  • خامسًا: انتشار التبرج واللبس غير المحتشم، وما تدفع به الموضة إلى الداخل الاجتماعي، وهو من أهم الأسباب والدوافع لمثل هذا السلوك الذي يؤدي إلى التحرش والاغتصاب.

وبعد معرفة جُملة من تلك العوامل التي تتسبب في وقوع جرائم الاغتصاب، لا بُد من التعرف أيضًا على كيفية وقاية أنفسنا وأبنائنا من شر الاغتصاب ومشاكل التحرش وآثاره النفسية على الفرد، وكيف يمكن التصدي لذلك، وهنا لا بُد من اتباع الطرق الآتية:

  • أولًا: لا بُد أن نعلم أن من يقومون بالتحرش والاغتصاب هم مصابون بأمراض نفسية يجب علاجها، حتى يتمكنوا من العودة إلى جادة الطريق السوي الذي ينبغي أن يسلكونه في الحياة الاجتماعية والاسرية وتلك مسؤولية يجب أن يتحملها الجميع.
  • ثانيًا: العمل على سن القوانين الرادعة والمانعة للمغتصبين والمتحرشين؛ وذلك لا يكون إلّا من خلال الاهتمام بالتوعية الاجتماعية والاسرية وبيان خطر جريمة التحرش والاغتصاب.
  • ثالثًا: إنزال أقصى العقوبات الرادعة لأصحاب هذه الظاهرة وذلك بسن القوانين وتطبيقها على كل من تسول له نفسه الاعتداء على أعراض الناس وهتك حرماتهم، وقد جاء في قانون الجزاء العماني: "يُعاقب القانون العماني على التحرش بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات، ولا تزيد على خمس عشرة سنة كل من واقع ذكرًا أو أنثى بغير رضا"، إضافة إلى الغرامات المالية المختلفة وذلك بحسب خطورة الجريمة ونوعها.

وأخيرًا.. إنَّ الإسلام ينظر إلى الاغتصاب باعتباره جريمة عظيمة نكراء، وعلى مختلف فئات المجتمع أن تتكاتف جهودها من أجل التوعية بمخاطر هذه الجريمة ومحاربتها ووأدها قبل أن نعض أصابع الندم.