مسارات السعادة!

 

مدرين المكتومية

في كثير من الأوقات قد ننسى أنَّ الحياة لا تستحق كل هذه الهرولة نحو اللامعلوم دون توقف، وكأننا نقتفي أثر شيء ما أضعناه في إحدى محطاتنا المُتعددة، نلهث دون توقف بحثًا عمّا نسميه "السعادة"، ولربما اعتقد البعض أنَّ تلك السعادة التي نفتش عنها في كل ركن من أركان حياتنا، تتمحور حول الأمور المادية فقط، دون إدراكنا- ولو للحظة- أن كل نماذج ومسارات السعادة المُعلقة على أمور بعينها قد تختفي بانتهائها، ولا يتبقى شيء سوى ذكرى عابرة بلذةٍ سريعة بهذه السعادة، لا سيما إذا ارتبطت بالأموال والماديات!

إذا ما تحدثنا عن السعادة من منظور آخر، فإنها تمثل اللحظة التي ندرك فيها أهمية سلامتنا الداخلية وأننا مهما صنعنا ومهما بنينا من علاقات ومهما قدّمنا الكثير من التنازلات، فإنَّ الأمر برمته يعود لذواتنا ومدى إيماننا التام بأنَّ الحياة التي نعيشها بكل لحظاتها وبكل ما نعيشه خلالها هي السعادة بحد ذاتها.

السعادة قرار، فأن تقرر أن تكون سعيدا ذلك يعني أن تتحرك كل دواخلك ومشاعرك وذلك عن طريق ما يُقدمه عقلك من رسائل يمكنها أن تجعل منك شخصا قادرا على أن يكون سعيدا حتى بأبسط الأشياء وأقلها أهمية.

السعادة الحقيقية هي التي تأتي بممارسات بسيطة، دون حاجتنا لأشياء كبيرة، هي أن نشعر بأهمية اللحظة التي نقضيها مع أحدهم ونحن نفضفض ونشرح ونتحدث دون توقف والآخر يستمع إلينا بانتباه شديد على الرغم من أن ما نقوله ليش بغاية الأهمية لكننا في الحقيقة نمتلك شخصاً يُشعرنا بأننا الأهم على الإطلاق وأننا نستحق كل الوقت لكل تلك الحماقات التي قد نبوح بها.

وربما تكون السعادة بمجرد النظر لوجوه الناس وهم يبتسمون، أطفال وهم يلعبون، السعادة في الجلوس في زاوية بأحد الأماكن الأحب إلينا، السعادة بتقاسم نجاحاتنا مع أحدهم، السعادة أن نسعى دائماً لتحقيق شيء ما نعتقد أنه صعب طوال حياتنا، السعادة هي الرحلة التي نقضي أكثر من نصف أعمارنا بحثاً عنها دون أن ندرك أنها بين يدينا، إننا نمتلك كل وسائل السعادة وكل اللحظات التي يمكنها أن تمنحنا ذلك، لكننا أصبحنا نربط كل الأشياء بالمادة حتى أصبحنا نحن أيضا لا نشعر بقيمة كل ما لدينا لأننا فقط لا نملك الأكبر منه، بدلا أن نكون سعداء بامتلاك وظيفة، سيارة، منزل صغير، أشخاص محبين، نريد بدل الوظيفة دخلا إضافيا دون الحاجة للعمل، سيارة فارهة، منزلا يشبه القصور في المسلسلات، ونريد أيضاً أشخاصا يمتلكون كل ذلك لنتمكن من السير معهم.

الكثيرون موهومون بمفاهيم السعادة، ويعتقدون أن المال يمكنه أن يخلق لهم كل ما يبحثون عنه، وهناك صنف من البشر لا يعتقد أن الماديات غير مهمة، لكن الأصح القول إنها ليست الأمر الوحيد المُهم في حياتنا لتحقيق السعادة، فإلى جانب المال يجب أن نحقق السعادة عبر عدة طرق.

وأخيرًا.. إن السعادة شعور يسكن في داوخلنا، لكننا لا نسكنه ولا ننتمي إليه، السعادة هي الشيء الذي يمكن أن نصنعه إذا ما آمنا أنه يعيش فينا، لكنه بحاجة دائمًا لقوى داخلية لتُخرجه لنتمكن من رؤيته.. وأنتهز هذه السانحة كي أوجه شكري لكل من يمنحني السعادة، بكلمة طيبة صادقة تخرج من القلب، وبابتسامة صادقة ترتسم على مُحيّاه، وصادق امتناني وعرفاني لكل من يسعى لخلق أجواء من السعادة والاطمئنان في هذه الحياة.