سلطنة عُمان.. رمز الحكمة والسلام في قلب الشرق الأوسط

 

د. بدر بن أحمد البلوشي

baderab_2000@hotmail.com

 

تقف سلطنة عُمان كمنارة الحكمة والعقلانية في خضم العالم العربي، مُجسدةً نموذجًا يُحتذى به في فن الدبلوماسية المتوازنة والبنّاءة. سياستها الخارجية، التي تنبع من عمق تاريخها العريق وتأصل في جذور فلسفتها السياسية، تُعبر عن التزام راسخ بمبادئ الحياد الإيجابي والوساطة النزيهة في تعاطيها مع القضايا الإقليمية المُعقدة. هذه السياسة ليست مجرد استراتيجية عابرة، بل هي تجسيد لأسلوب حياة وتفكير يُركز على الحكمة والتعقل، مما يُكسب السلطنة موقعًا مميزًا ومحترمًا على خارطة العلاقات الدولية، حيث تُعتبر عُمان بوابة السلام ومركز الحوار بين الثقافات والحضارات المختلفة.

ومنذ عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- واستكمالًا لهذا المسار في العهد المُتجدد لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ظلت سلطنة عُمان تُعلي شعار الحكمة والعدل، متمسكة بأركان راسخة في سياستها الخارجية تمثل قمة النُبل والعقلانية: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأمم، وتعزيز قيم الاحترام المتبادل، والتأكيد المستمر على أنَّ الحوار البنّاء والتفاوض العادل هما المفتاحان الأساسيان لفض النزاعات وصون كرامة الإنسان.

والمبادئ السامية التي تتبعها سلطنة عُمان، منحتها سمعة نقية كبلور الماء، وجعلت منها وسيطًا موثوقًا به يُستشهد بحكمته في تسوية العديد من الأزمات الشائكة، كالنزاع الإيراني الأمريكي والأزمة اليمنية والخلافات الخليجية. تتجلى الميزة البارزة للدبلوماسية العُمانية في فهمها العميق والراقي للتوازنات الإقليمية والدولية، واستراتيجيتها الحكيمة في المحافظة على مسافة متوازنة من جميع الأطراف، فهي لا تكتفي بمجرد النأي بالنفس عن التحيز، بل تعكس انخراطًا فعّالًا ومُثمرًا في جهود إحلال السلام والاستقرار الإقليمي، متجنبةً بذلك أتون النزاعات المسلحة ومخاطرها.

علاوة على ذلك، نجحت سلطنة عُمان، بفضل حكمة قيادتها وسعة بصيرتها، في نسج وصيانة شبكة علاقات دبلوماسية قوية ومتينة تربطها بالقوى الإقليمية والدولية بلا استثناء. مسقط، العاصمة الزاهية للسلطنة، غدت ميدانًا حيويًا للتلاقي والتفاوض، حيث يلتقي الخصوم تحت سقفها للحوار والتفاهم، ما يُثبت دورها كأرضية خصبة ومحايدة للتواصل وتبادل الأفكار.

والتزام عُمان بعدم الدخول في تحالفات قد يُفسَّر خطأً على أنَّه انعزالية، لكنه في الواقع يُعد دلالة على عمق وثبات رؤيتها الدبلوماسية؛ بدلًا من اللجوء إلى القوة والمواجهة، تُعلي سلطنة عُمان شأن الحوار كأسلوب أمثل لبناء مستقبل مستقر ومزدهر للمنطقة، مؤكدةً بذلك على أن السلام والتعاون هما السبيل الأكثر فعالية لتحقيق الازدهار المشترك وصون كرامة الشعوب.

في هذا السياق العالمي المتوتر، تبرز سلطنة عُمان كنموذج فريد للحكمة والعقلانية، ليست مجرد وسيط مهم وعادل في تسوية النزاعات، بل كصوت للعقل والتعقل في منطقة تتلاطم فيها أمواج التوتر والصراع. بفضل سياسة خارجية متزنة ومدروسة بعناية، استطاعت سلطنة عُمان أن تحافظ على جزيرة استقرار داخلية، وتسهم بشكل إيجابي وفعّال في دعم وتعزيز الاستقرار الإقليمي. وفي عالم يسوده التصعيد والعنف لتحقيق الأهداف السياسية والجيوستراتيجية، تثبت عُمان أنها ركن شديد الأهمية للسلام، متمسكة بمبدأها الراسخ أن الحوار هو الأداة الأمثل والأكثر فعالية لبناء تفاهم مستدام وسلام دائم بين الأمم.

** دكتوراه في الإعلام والعلاقات العامة وباحث في التخطيط الاستراتيجي وعلم النفس في الإدارة الحديثة

تعليق عبر الفيس بوك