سارة البريكية
غيَّب الموت المستشار عبدالعزيز الرواس، فقيد الإعلام والثقافة والأدب، فقيد القلوب وفقيد الأرض والهواء والرمال والزوايا وردهات المكاتب وملفات السنين ونافذة عُمان؛ حيث كان للإعلام صوت وللتلفاز بارق وللصوت صدى وللآذان مسمع.
لم يكن وجهًا عابرًا وليس كل عابرٍ عابرٌ، ولم يكن إلّا إنسانًا مختلفًا عاصر السلطان الراحل فكان قريبًا وكان وجهًا مُنيرًا، حفظنا ملامحه منذ الصغر، وكان قريبًا من الشاشة عندما لم تكن تشغلنا الهواتف النقالة والسوشال ميديا، عرف كيف يصنع جيلًا مُثقفًا؛ فكانت قناة تلفزيون سلطنة عُمان هي الحضن الذي يجمعنا، وكُنّا قريبين من المشهد الإعلامي.
رحل رجل لا يتكرر كثيرًا، ولن تكون هناك نسخة أخرى له، وقد كان لقائي الأخير به قبل عيد الفطر، وتحديدًا في شهر رمضان المُبارك، لم يتحدث كثيرًا لظروفه الصحية، لكن عيونه تحدثت ووجه كان يبتسم.. كان كريمًا وطيبًا وشهمًا وكان دائم الحمد، صابرًا مُحتسبًا، وكان عطوفًا بأفعاله، رحيمًا في قرارته.
الرواس يسكن في كل إعلامي عُماني وخليجي وعربي؛ لأنه مُقرب من الجميع، مُتواضع مع الجميع، ومن تواضع لله رفعه، فكان عاليًا في أعيننا وكان غاليًا على قلوبنا، وكان مقربًا لأرواحنا.. فرحمة الله تغشاه.
بعد أن ألقيت السلام عليه في نهار رمضان وخرجت، خرج معي إلى عتبة الباب وودعته بحرقة شديدة، أخفيتُ ملامحي الحزينة وتظاهرتُ بالقوة، حتى لا يشعر أنني تألمت لألمه؛ بل كنت قوية، وعندما صعدت للسيارة انفجرتُ باكية لأنني لم أكن أحب أن أرى من نحبهم يشعرون بالألم.
في آخر تواصل لي مع معاليه، كان يشكر الله ويحمده على كل حال؛ فالحمدلله دائمًا، ولكن كم هو موجع لنا أن نودِّع من نحبهم تباعًا وكأنه درس صعب يصعب علينا فهمه، وكأنَّ الريح تعصف في الاتجاه المُعاكس، وكأنَّ الأحلام التي رسمناها تسقط خيوطها تاركة خلفها حكاية يصعب تفسيرها، وقصة حزينة من نسج الواقع، ومسافات تحتاج إلى فراغات لا نهائية، ودموع تسقط في تسارع شديد، حتى نحن لا نفهم ما الذي يدور حولنا. ندرك في مرحلة من الوعي أنَّ الرحيل يقترب وأن كل ما تمنيناه أن يكون لن يكون وأن الدوامات البحرية تكاد أن تبتلع كل شيء يُحيط بنا فنسقط وتسقط أقلامنا التي كنَّا نكتب بها.
وعندما نفكر بأنَّ الراحل شخص عظيم أعطى الكثير والكثير وأنفق من وقته وجهده وصحته وماله بلا مُقابل ندرك أنه وصل إلى درجة كبيرة جدا من العطاء والكرم فهو صاحب الأيادي البيضاء كتب سيرته العطرة بماء الذهب وبروح الورد وعبق الياسمين وذكريات الأيام الجميلة وحنين الماضي وابتسامة التفاؤل بالمستقبل الجميل رحل ولكنه ترك لنا نصائح كثيرة ودروساً كبيرة. وكنت في وقت ما أُخبره بعزمي على إكمال الماجستير، ولكنه قال يجب أن تكوني على رأس الوظيفة، ثم تكملين ما تبقى من دراستك. كان مشجعًا لي وقارئًا لأغلب المقالات ومتابعًا للشعر وللثقافة والأدب ومهتمًا بجميع الكتّاب والإعلاميين والمؤلفين والمبدعين وداعمًا لهم.
صادق التعازي والمُواساة لأسرة الفقيد رحم الله معالي عبدالعزيز بن محمد الرواس وأسكنه فسيح الجنان، وعطر مشهده وأكرم نزله ووسع مدخله.. اللهم آمين.
سيبقى في كل مكان شهد وجوده وستبقى روحه العطرة بيننا، هكذا دائمًا هم الطيبون يتركون فينا وجعًا لا يُمكن أن يُنسى بغيابهم، فيرحلون.. ويبقى الأثر!