كانت لنا أيام مع المستشار الرواس

سالم بن محمد العبري

نعم.. فُجعنا مساء الأحد 18 أغسطس 2024 بنبأ انتقال الأخ الوزير عبد العزيز بن محمد الرواس، الذي كان آخر لقاء به في منزله برابية القرم بمسقط عندما دعاني إلى بيته بمعية الأخوين الشيخين هلال وحمود ابني الشيخ سالم بن حمود السيابي وبعض أبنائنا.

لم نكن نتوقع أنَّه اللقاء الأخير به، وإن كانت حالته الصحية لا تبدو كما كانت في لقاءاتنا السابقة بمنزله، أو حين أكرمنا بقبول دعوتي له لرد كرم استضافتنا عدة مرات.

أتذكر مع أوَّل أيام توليه المسؤولية في قطاع الإعلام مطلع السبعينيات من القرن الماضي؛ حيث شغل أولًا مديرًا عامًا للاتصالات والعلاقات العامة حين كانت الوزارة بقيادة صاحب السُّمو السيد فهد بن محمود آل سعيد، وحسن بن عبدالله، وكانت الوزارة قد تربعت بالموقع المختار لها في مدينة الإعلام بمسقط، في هذا الاختيار الاستراتيجي المميز من قبل السلطان الراحل قابوس بن سعيد- رحمه الله- لتكون نموذجًا لمدينة إعلامية قد لا يُمثالها غيرها، كما أحسب، وربما كان السلطان قابوس يهدف أن تبقى هذه المدينة خاصة ومقصورة على مؤسسات الإعلام القائمة كلها أو التي ستُستحدث على مر الدهر.

كنت أرى الفقيد يدلف في أروقة الوزارة بقامته العالية وحركته الدؤوبة المتسارعة كتسارعه في الولاء للوطن والسلطان؛ حيث أضحى وكيلًا في عام 1975 ثم وزيرًا في عام 1978 ليبقى قرابة ثلاثة عقود نجمها ومخطط خطواتها ورجُلها اللامع محليًا وعربيًا ودوليًا.

ومن أول أيام تقلده المسؤولية بالإعلام العُماني، عرفته عن قرب وعن بُعد وأنا أعمل أثناء دراستي مؤقتًا في الإعلام وفي الإذاعة والعلاقات العامة. وعندما أصبح معالي عبد العزيز الرواس وكيلًا لوزارة الإعلام، وكنت بالوزرة وأتطلعُ للتدريب بالقاهرة في عام 1976، وعرضتُ الأمر عليه، فتقبّل الاقتراح بالتأكيد والاستحباب وآزرني برسالته للأستاذة صفية المهندس رئيسة الإذاعة المصرية آنذاك، وبسائر الإذاعات المصرية بمختلف توجهاتها واهتماماتها وتخصصاتها.

وإذ بعد عام أعود لوزارة الإعلام حاملًا معي طلبات برامج إذاعة صوت العرب التي تدربتُ بها مع كوكبة من الإعلاميين المتميزين الذين نشأوا حين كانت إذاعة صوت العرب تهز الغرب والشرق؛ لأنها كانت صوت الزعيم جمال عبد الناصر، الذي بكته أنديرا غاندي وهو رفيق درب أبيها، وكان يخطو إلى جانبه ونظيرًا آسيويًا له وأحد أقطاب زعماء منظمة عدم الانحياز، هذا الزعيم الذي أتى من القاهرة زعيمًا للعالم الحر والتحرير والثورة ليقتبسوا منه العنفوان والإباء والسيادة.

نعم.. عدت وتجولت أنا والأخ سليمان الغافري من الإذاعة نُسجِّل مع الشخصيات العُمانية ذات التأثير الجماهيري في بناء النهضة المباركة؛ أمثال الشيخ عبدالله بن علي الخليلي- رحمه الله- في سمائل بموقعهم التاريخي في (السبحية)، والشيخ سيف بن سالم اللمكي بالرستاق، وغيرهم الكثير. ثم انقطع التواصل المباشر مع العالم في السنوات الأخيرة من الدراسة الجامعية التي تستدعي التركيز لنخرج بتقدير يرضي الجميع من الأهل؛ لذلك حصلت على تقدير "جيد مرتفع" في إدارة الأعمال من كلية التجارة بجامعة القاهرة. وثبت ذلك بالقول وأنا أخاطب المُلهمة:

شاءت لنا الأقدار أن سيق جمعنا // لجامعة أولى وكلية بها

تتابع اسمي بعد اسم مليكتي // كما يتبع السين الهجائي دالها

وتمضي بنا الخيارات والأقدار للعمل بعد التخرج خارج الإعلام الذي ترسّخ في ذهني وتوجهاتي، كما يُثبت الحب الخالد فلا يُمحى؛ فالوصل متصل والحب يكبر والشخوص لم تتغير.

رحم الله الفقيد الكبير، وألْهم ذويه الصبر والسلوان، وعزاؤنا عائلته ونحن كمعايشين ومسايرين له أن الآثار الكبرى تبقى شاهدة للأشخاص المُبدعين والعاملين وللأوطان والقيادات.

تعليق عبر الفيس بوك