كيف تنظر للمخطئ؟

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

 

تسير بنا الأقدار إلى وطن لا خل فيه عادلا ولا صديق صادق الوعد منصفا، وتمضي ساعاتنا مرهونة بالخير تارة، وأخرى بها ظلم مجحف، يوافقها الصواب مرة، وتاليا تجنح عن الصح قصدًا وتعمدًا.

ولما الحال يكون أحيانًا هكذا، فإنه قد قبل يوماً أن العفو عند المقدرة، وقال الله سبحانه وتعالى "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ". وعليه يندر أن تجد في هذه البسيطة هذه الحياة الدنيئة الوضيعة، وفي هذا الوجود المتخم بأخطاء الإنسان الذي جعل خليفة فيه من لا يخطئ، وسبحان الله جلَّ من لا يخطئ، وأيضا قلما تجد بيننا من يغفر زلاتنا إن أخطأنا، ويتجاوز عن سيئاتنا إن أسأنا، ويصفح عن هفواتنا وأذانا للغير إن حدث منَّا تجاههم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تعالى عفوٌّ يُحِبُّ العَفو، وقال لعُقبة صِلْ مَن قطعَك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَكَ، وقال أحسنوا إلى مُحسنِ الأنصارِ، واعفوا عنْ مسيئِهم.

كل تلك الأحاديث تدل على أن الحرص على الانتقام من المسيء والمخطئ في حقنا من الأهل والأقارب والأصدقاء والإخوة والأخوات والجيران، أمر مؤخر وغير محمود، مقدم عليه العفو والصفح ما أمكن ذلك في الأحوال العادية. والمؤمن إذا ظلم فلم ينتقم ولم يعاقب، قال الله عزَّ وجلَّ له: يا عبدي عفوت عنك فلك الجنة، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أن الرحمة تنعدم من الإنسان القاسي العاصي والمتكبر والجبار والمتغافل والمتفلسف، غير الطيب، فإذا رأى الإنسان نفسه فوق الجميع، ولا مستشعرا أخطاءه، فلن يرحم إنسانا مثله مطلقًا. وإذا أصبح الإنسان فظًا غليظ القلب، فسينفضون من حوله، وإذا وصل إلى هذه المرحلة، فلن يعطف ولن يتجاوز عن أخطاء الآخرين، وستنتفي منه خواص وصفات كثيرة، الله تعالى جلَّ جلاله، خصَّ نفسه بها.

وحتى الإنسان يكون سليم القلب نقيًا تقيًا رحيمًا بنفسه وبغيره، عليه أن يتذكر أخطاءه وسيئاته مذ كان طفلاً فشاباً فأكبر من ذلك، عليه أن يتتبع سيرته منذ كبر وعقل وتذكر وحتى وصل إلى ما وصل إليه من العمر، عليه أن ينظر إلى مستقبله الذي من الحكمة أن يكون مستقبلا طيبا خالياً من المشاكل.

إن المبالغة في تمجيد الذات وفي مدح النفس وذم الغير والانتقاص منهم، ونسيان ماضينا، يؤدي إلى سواد القلب وحدوث الغشاوة على العين من أن لا ترى الحق حقًا. فحتى يهدأ الإنسان عن عصبيته وثورته عند وقوعه في موقف ما استدعاه أن يتخذ إجراء لمعاقبة من أساء إليه من الفئات المذكورة، ينبغي أن ينظر إلى نقصه وضعفه وقلة حيلته، وأخطائه الكثيرة والمتكررة، وكيف لو كان هو في ذاك الموقف، وعفو والديه عنه عندما أخطأ يوما ما، وعفو الناس عنه عندما تنازلوا عن حقهم يوماً عندما زل، أو عفو وصفح من ارتكب في حقه ذاك الخطأ، فكلنا ذوو خطأ ولسنا معصومين عن الخطأ.

أيها القارئ الكريم.. ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما انتزع من شيء إلا شانه، فكيف تنظر أنت عزيزي القارئ إلى المخطئ من الناس، سواء هذا الإنسان ارتكب خطأ في حقك، أو في حق أحد من أهلك وأقاربك، وسواء كان هذا المخطئ أخاً أو صديقاً أو ابناً أو ابنة أو أختا أو جارا، كيف تتعامل معه، وكيف تنظر إليه بعد خطئه، خاصة إن أقبل عليك وإليك معتذرا ونادما آسفا، يطلب منك إعطاءه فرصة بالتجاوز والعفو عنه. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ما نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّه. وإذا كان لا يحقد أحدكم على أخيه، فإنَّ الحقد يفسد العمل، فكيف لنا أن نكون حتى لا نشذ عن القاعدة السوية، وحتى لا نتجرد من الإنسانية.

إن الذي سيخطئ في حقنا من الفئات التي ذكرتها وأقبل علينا نادمًا، أقول فإن احتواءه والعفو عنه أولى ومقدم على عكس ذلك، فالراحمون يرحمهم الله تعالى، والقلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف شاء. علينا أن لا نكره المخطئ بل علينا أن نكره الخطيئة والفعل الذي أتى به، وربما صفحا وعفوا منك تجاه المخطيء، أبلغ من عقوبة تنزلها عليه، تهدم بها مستقبله وتضيع له حياته.

أيها الأخ الكريم.. قل الحمدلله دائماً، فإن رأيت ضالا عن الله شاردا عن الحق، قل اللهم اهده وأصلحه، لا تضحك على النَّاس فكل ضاحك مضحوك عليه، ولا تشمت على أحد، فكل شامت سيأتي وسيكون من يشمت عليه، ولا تظلم فكل ظالم سيسقى بما سقى. ادعُ للمخطئ بالهداية والصلاح أمامه وفي ظهر الغيب، فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، وربما ذاك المخطئ مستقبله عند الله تعالى أفضل منك، ومكانته عند الخالق جل جلاله أفضل منك.

احذر أخي- رعاك الله- أن يأخذك الغرور وينسيك البطر والكبر نفسك، وبأنك إنسان تخطئ وتصيب وتحتاج إلى العفو والصفح والرحمة والرأفة ومراعاة أحوالك بعين الاعتبار، وأخذها وإحاطتها بالاهتمام، وإعطائك فرصة لمراجعة ذاتك ومحاسبة نفسك.

تعليق عبر الفيس بوك