عُمان السلام

 

 

د. حامد بن عبدالله البلوشي *

Shinas2020@yahoo.com

حَبَا الله سلطنة عُمان بتاريخ مُشرِّف، وحاضر مزهر، وشعب متسامح، تميز طوال حياته بتنوعه الثقافي، ولُحْمَتِه الوطنية، واستقراره المجتمعي والسياسي، فعمَّ الأمن والأمان ربوع السلطنة، ممَّا جعلها نموذجًا يُحتذى في تحقيق الازدهار والتقدم، في زمن تتسارع فيه التحديات العالمية والإقليمية، ولم يكن ذلك الاستقرار مجرد مصادفة، بل هو نتاج تآلف وتسامح بين مكونات المجتمع الواحد، وحصيلة منظومة متناغمة من المساواة في الحقوق والواجبات، فأثمر كل ذلك عراقة، وتميزًا، وشعورًا بالانتماء، فأصبح المجتمع العماني صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.

وبنظرة تاريخية لتاريخ السلطنة الحديث؛ نجد أن المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قد غرس نبتًا طيبًا، وشجرة باسقة، لِوَاحَةٍ خصبة من السلام الداخلي، فمنذ توليه الحكم عام 1970م، عمل بلا كلل، وواصل الليل بالنهار من أجل تعزيز الوحدة الوطنية بين جميع المكونات، وانتشل البلاد من الصراعات والنزاعات الداخلية، فثبت دعائم الدولة العصرية، ورسخ مبادئ العدالة والتسامح والمساواة، فساد الوئام بين مختلف الطوائف والمذاهب. وأصبحت عمان ترفل في الأمان في ثوب مجدها القشيب، وتواكب ركب الحضارة من جديد.

ليس هذا فحسب، بل إنه -رحمه الله- على الصعيد الخارجي قد تبنى تلك السياسة الحكيمة من الحياد الإيجابي، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وسجل التاريخ في صفحاته الناصعة بماء الذهب؛ المواقف المشرفة للسلطنة الداعمة للسلام، والمحبة، والوئام، والتسامح، والحوار؛ مع دول العالم، مما أكسبها احترامًا دوليًّا واسعًا.

ومع نهضة عمان المتجددة؛ استكمل صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مسيرة السلام، لتواصل السلطنة دورها الريادي، ونهجها الحكيم، تمد يد السلام مع مختلف دول العالم وفق أسس ومبادئ راسخة، تقوم على أساس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والمساهمة في حل العديد من الأزمات الإقليمية، والمشكلات العالمية، لتحقيق السلام والاستقرار لكافة دول العالم. فقد قال جلالته في خطابه السامي بتاريخ 23 من فبراير 2020م: "لقد عرف العالم عُمان عبر تاريخها العريق والمشرف، كيانًا حضاريًّا فاعلًا، ومؤثرًا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها، وتحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغايات سامية، تبني ولا تهدم، تقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره معكم، وبكم، لنؤدي جميعًا -بكل عزم وإصرار- دورنا الحضاري، وأمانتنا التاريخية".

ولا يمكن أن يتحقق السلام العالمي دون ركيزة قوية وأساسية من استقرار الأوطان، والسعي الدائم نحو التطور والازدهار، ولا يتم كل ذلك إلا تحت ظلال الأمن الوارفة، وفي بساتينه الغنَّاء، وشمسه الدافئة. فوطن بلا أمن؛ هو ريشة في مهب الريح، والأمن يعزز الثقة في مؤسسات الدولة، ويجذب الاستثمارات الأجنبية، ويسهم في خلق بيئة مستقرة مزدهرة، وفي غيابه يتوقف قطار التنمية والتقدم، وتتعطل مسيرة الاقتصاد والازدهار، وتتفاقم الأزمات المجتمعية. ولا يتحقق الأمن إلا بتكاتف الجميع، لضمان مستقبل الأوطان المشرق، وتطوير البنى التحتية، وتوفير فرص العيش الكريم للمواطن العماني، ولكل مقيم على هذه الأرض المباركة.

وقد قدَّمت السلطنة طوال تاريخها الحديث -ولا تزال- النموذج المثالي للوحدة الوطنية، والتعايش السلمي بين مكونات الوطن الواحد، ونبذ الطائفية المقيتة، والقضاء على الأفكار الضالة الهدامة، ومواجهة الفكر بالفكر، والسعي الحثيث نحو تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع، حفاظًا على ذلك المجتمع من ثمار الكراهية العطبة، ومذاق الانقسام المر، والذي يهدد السلم المجتمعي، ويؤدي إلى الفوضى والنزاعات لا قدر الله.

ومن هنا أصبح لزاما تضافر الجهود نحو تعزيز الوعي الوطني ضد تلك الأفكار الدخيلة على مجتمعنا المتلاحم، لتقوم كل مؤسسة بمسؤولياتها، من خلال برامج تعليمية، ومناشط تثقيفية، تدعو إلى الابتعاد عن التعصب الأعمى، والعصبية الخبيثة، والتي وصفها النبي ﷺ بقوله: "دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ"، وعقد حوارات هادفة، والاستماع إلى الرأي الآخر دون إقصاء، ومناقشته مناقشة علمية تقوم على الصراحة والشفافية، ويقوم كل فرد بدوره في محيطه ودائرته، ويبدأ ذلك الدور داخل الأسرة، حيث يجب على الأهل تعليم أبنائهم قبول الآخر، واحترام الآراء المختلفة، وتلعب وسائل الإعلام بكافة أنواعها دورا مهما في تعزيز قيم التسامح، والإسهام في تقديم المعلومة الدقيقة، والحقائق الموثوقة، وتفنيد الأفكار المتطرفة، ويقوم المعلم بدوره في الأنشطة المتنوعة التي تعزز من قيمة التعاون مع الآخرين، ويقوم إمام المسجد بدوره في وعظ الشباب وإرشادهم، لتحقيق الهدف الأسمى لوحدة المجتمع وتكاتفه، وتحصين الشباب من الأفكار الهدامة، والمعتقدات الضالة، البعيدة كل البعد عن سماحة الإسلام الحنيف، وقيم المجتمع العماني الأصيل، فلا يجد مروجو تلك الأفكار إلى شبابنا سبيلا.

ولا يفوتني هنا إلا أنْ أشيد بالدور الكبير لرجال الأمن في السلطنة، وجهودهم الجبارة في الحفاظ على أمن الوطن، وسلامة المواطنين، وحماية المنشآت، فهم العيون الساهرة، والقلب النابض، والدرع الحصين، وحماة الأوطان من عبث العابثين، فتجدهم في الخطوط الأمامية دائمًا، مجسدين روح التضحية بأرواحهم، وأوقاتهم، مخلصين في أداء واجبهم، فهم دائمًا على أهبة الاستعداد، كالشمعة التي تحترق لتضيء دروب الآخرين، لا يعرف الكلل إليهم سبيلًا، ولا الوهن إليهم طريقًا، يواجهون التحديات بصدورهم، ويقفون في وجه المخاطر بأجسادهم، من أجل وطنهم الكبير، لا يبحثون عن شكر أو تقدير، ولا ينتظرون مكافأة أو عطية، فهم يستحقون منا كل تقدير واحترام، ويستأهلون منا كل محبة وود.

ويجب علينا جميعا -مواطنين ومقيمين على هذه الأرض الطيبة- أن نكون حماة لأمنها، ورخائها، واستقرارها، نقف صفا واحدا خلف قيادتنا الحكيمة في وجه من يريد الإخلال بأمننا، نحافظ عليها، ونبذل في سبيلها كلَّ غال ونفيس، وينبغي أن تُستثمَرَ الطاقات، وتُسخَرَ الجهودُ والإمكانات في سبيل الحفاظ على مكتسباتها ومنجزاتها، لتظل عمان واحة للأمن والاستقرار.

حفظ الله عمان -بقيادتها الحكيمة، وشعبها الوفي- من كل سوء ومكروه، وصرف عنها شر الأشرار، وكيد الفجار، وأدام علينا نعمة الأمن والأمان، وجعلنا حماة لأمنها، ورعاة لوحدتها واستقرارها، إنه سميع مجيب.

 

* مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية الاجتماعية

تعليق عبر الفيس بوك