والفتنة أشد من القتل..!

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

لم يُحذِّر القرآن الكريم من أمر إلا كان أمره عظيمًا وأثره كبيرًا على الناس، وعندما يذكر الله تعالى في محكم كتابه العظيم أنَّ الفتنة أشد من القتل، ويذكر في موضع آخر أنه حرم قتل النفس إلا بالحق، وعندما يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع أن دماء المسلمين حرام، ويحذر من الوقوع في الفتنة، وأن يعود الناس عن دينهم يضرب بعضهم رقاب بعض، فما هذا التحذير إلا بيان واضح وجلي حول خطورة الفتنة على الفرد والمجتمع والدين.

لقد ابتُليت الأمة الإسلامية عبر الزمن بمن يَكِيد لها من الداخل والخارج وينصب لها الشراك ليفتن المسلمين بعضهم البعض، وقد وجدوا من يُعِينهم على ذلك من الداخل ضد بني جلدتهم ودينهم، وقد أصبحت هذه الأساليب معروفة لدى العالم، وهي التي تسببت في سقوط كثير من الدول وانتهائها، وما قصة سقوط الخلافة الإسلامية إلا مثال على ذلك، ولم تزل هذه الفتن تنشر الحروب وتسقط الضحايا من المسلمين في بلادهم ومن أبناء أوطانهم.

لقد ذكر الله تعالى قصصاً عديدة في القران الكريم بينت سبيل الوقوع في الفتنة ومصير الأمم والأفراد الذين وقعوا فيها؛ ففي القران الكريم: " وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "، وهنا جاء التحذير من سب معبودات الكفار حتى لا تكون فتنة بين الناس ويعودون لسب الله عز وجل، وهذا النهي إنما هو حرص على الدين والمسلمين وليس تعظيماً للشرك ومعبوداته، وهو دعوة للبعد عن كل ما قد يتسبب في ضرر على الإسلام.

لقد جاء القرآن الكريم ليبين أن "المؤمنين إخوة"، وهذا بحد ذاته كفيل ليكف كل مسلم عن أذى أخيه ولو بكلمة فما بالك بفعل أو جرم يودي بحياته، وجاء في الهدي الشريف "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"؛ فماذا بعد هذا القول؟ هل يعقل أن ينصت المسلم الذي ميزه الله عن الكافر بصدق العقيدة وسلامة الدين، هل ينصت لدعاة التكفير والمذهبية والطائفية؟!

إنَّ تحصين المسلم لنفسه مسؤولية شخصية؛ وذلك من خلال فهمه للدين بشكله الصحيح، فهذا الدين جاء متوافقاً مع العقل البشري والفطرة السليمة ولم يأتي بأمر ولا نهي إلا وفق ذلك، وعلى المسلم أن يستقي الدين ممن ينطلقون في خطابهم من مبدأ الاية الكريمة: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ"، وأن يترك من يتشدد ويكفر ويحرض على قتال المسلمين، ويدعو لاتباع طائفة دون غيرها ومذهب دون سواه، وما يريد من ذلك إلا الفساد في الأرض واتباع سبيل الضلالة واتباع الشيطان الذي توعد بإغواء الناس.

لم نعهد دعوات الانتصار للمذاهب في وطننا العزيز، وقد جرمت القوانين والأنظمة جميع أشكال الدعوة إلى الطائفية والمذهبية وإثارة النعرات بين أبناء الشعب، وذلك إدراكاً لمدى خطورتها على المجتمع، ونتائجها السلبية السريعة وحجم الضرر الذي يلحق بالمجتمع منها، وعندما تخرج دعوة ضالة من هذا النوع فيجب علينا جميعاً أن نتصدى لمطلقها وأن ننبذه حتى يعود للحق، فإن عاد فقد كف شره عن المجتمع، وإلا فإنَّ يد القانون تطال كل فاسد ومجرم يريد الشر بهذا البلد.

وعلينا أنْ نكف ألسنتنا وأيدينا عن الحديث حول هذا الأمر، وألا نشارك في وسائل التواصل الإجتماعي عندما يكون الحديث حول المذاهب والطائفية، اتِّقاءً للعواقب القانونية، وبعداً عن الوقوع في شرك هذه المنظمات والعملاء الخبثاء الذين يستخدمون حِيلاً خبيثة وطرقاً ملتوية لإيهام الناس بأنهم على حق ويملكون طرقاً تغوي البعض وتجعلهم ينقادون لافكارهم دون أدنى تفكير وتمحيص حول مدى حقيقة أفكارهم.

إنَّ تثقيف الفرد لذاته مهم جدًّا، والوعي لا يتشكل إلا من خلال القراءة والمعرفة، ولكن من المصادر الصحيحة، وفي مجال ديننا لن نجد أفضل من القران الكريم ليكون مرجعنا حول أمور الدين الحنيف والسنة النبوية الشريفة الصحيحة التي تتوافق مع القرآن الكريم، وعلينا أن نتبع نهج السلف الصالح الذين كانوا يعصمون ألسنتهم وأيديهم عن المسلمين إيماناً منهم بحرمة المسلم: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه"، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تعليق عبر الفيس بوك