حادثة الوادي الكبير والتحلي بالواقعية

 

 

سالم بن نجيم البادي

إنَّ ما أثارته حادثة الوادي الكبير من ردود أفعال ضخمة، وربما مُبالغ فيها يقودنا للحديث عن الواقعية والمثالية عند النَّاس في مجتمعنا العماني، ولا شك أنها حادثة مؤسفة وغريبة على بلدنا الآمنة المطمئنة، غير أنه لا ينبغي أن تأخذ أكبر من حجمها، وأن لا يتم تضخيمها لتصبح حديث الناس لفترة طويلة، أو أن تثير الجدل والآراء المختلفة والصاخبة أحيانا، وتساق الاتهامات لبعض التيارات الفكرية والدينية وبعض الجهات الخارجية، والقول بأنَّنا نُعاقب بسبب مواقفنا السياسية، ومعظم الناس تكلموا حول الحادثة وخاضوا فيها بعلم وبغير علم، وربما أصبحت مصدر قلق للأبناء في بعض العائلات والخوف من تأثرهم بالفكر الضال. إنَّ الحذر مطلوب، وتحصين الأبناء بتعاليم الدين الإسلامي السمحة أمر لا بد منه، ومراقبة تصرفاتهم وما يشاهدونه عبر مواقع التواصل ويجب على الآباء تعليم الأبناء مبادئ الخير والحق والعدل والإنسانية وحب الإنسان؛ لكونه إنسانًا فقط بغض النظر عن انتمائه الديني أو جنسيته أو شكله ولونه، ونحن نفتخر بأننا شعب لا يزال السواد الأعظم منه محافظا على القيم والأخلاق والعادات والتقاليد العربية العريقة، ومتمسِّكا بأهداب الدين الإسلامي الحنيف، وأنا هنا لست في وارد التقليل من خطورة الحادثة، ولكن مثلها يحدث كثيرا ويتكرر في بلدان مختلفة وبدوافع مختلفة: دينية وعنصرية، وغيرهما من الدوافع

وعلينا ألا نبالغ كثيرا في المثالية؛ ففي حادثة الوادي الكبير لم يُصدِّق كثيرٌ من الناس أنَّ من قاموا بذلك الفعل الشنيع هم ثلاثة مواطنين عمانيين، ونسبوا الفعل إلى وافدين، وغضبوا على من تداول صور الجناة وهم بالزي العُماني.. لماذا نعيش كل هذه المثالية وكأننا ملائكة؟ وحين ينتقدنا أحدهم نثور ونغضب ونشن عليه حربا شعواء، وتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي ردًّا عليه، وعندما يمدحنا بعضهم نكاد نطير من الفرح ونتداول كلامه على نطاق واسع ونحلِّق به عالياً في السماء!!!

علينا أن نعتز بتاريخنا المجيد وأننا ورثة إمبراطورية عظيمة فهذا حسن، لكنه لا ينبغي أن يجعلنا نعيش المثالية المفرطة، وحتى لا نُصاب بالصدمات -إذا وقعت لا قدَّر الله بعض الحوادث والجرائم في مجتمعنا- فيجب علينا الاعتراف بأننا لا نعيش في مجتمع مثالي خال من بعض المنغصات، وأن في مجتمعنا الشين والزين كما نقول، وماشي حلة ما فيها علة، والظروف تغيرت والعالم صار قرية واحدة، ومن طبع الناس التأثر بالآخر والتأثير فيه؛ فقد شهدنا مؤخرا جرائم، والذين نفذوها هم منَّا؛ فمن قتل امراة في رابعة النهار وأمام النَّاس لمجرد خلافات زوجية هو عُماني، والذين قتلوا شيخا كبيرا في العمر والمكانة الاجتماعية بعد أن قاموا بتعذيبه ورميه بعيدًا في الخلاء وفي نهار رمضان هم عُمانيون، والشاب الذي قتل فتاة لأنَّ أهلها رفضوا أن يزوجوه بها هو عماني أيضًا، ومنا من يرتكب جرائم السرقة والغش وهتك العرض وجرائم أخرى مختلفة، ومثل هذه الجرائم تحدث في كل مكان وزمان، ومنذ أن خلق الله الناس، وما يحدث عندنا من جرائم قليل ونادر مقارنة بما يحدث في دول أخرى.. وسوف تبقى عُمان بخير وفي أمن وأمان، وسلام واستقرار، إلى الأبد بإذن لله تعالى.