الموقف العربي والإسرائيلي من الدولة الفلسطينية

 

د. عبدالله الأشعل **

أكد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- مستندًا إلى تشريع صدر يوم 19/2/2024- أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين وحذَّر من مخاطر هذه الدولة على إسرائيل، وأمام هذا الإصرار الإسرائيلى الذي ينسجم مع فكرة الصهيونية أساسًا وهي تجميع يهود العالم في دولة خاصة بهم وخاصة في فلسطين، فإننا نسعى من خلال هذه المقالة إلى تحليل الموقف العربي الذى أصبح أساسًا للموقف الدولي والإسلامي، وأصبح يتكرر بشكل روتيني، لنُبيِّن مدى العوار فيه، دون أن يدري العرب أنهم يُسيئون إلى القضية الفلسطينية ظنًا منهم أن انخفاض سقف الموقف العربي يُغري إسرائيل بقبول إنشاء الدولة الفلسطينية؛ فأصبحت المواقف العربية الرسمية مُفارقة للموقف الحقيقي لبعض الحكام!

الدول العربية عارضت جميعًا قرار التقسيم (قرار الجمعية العامة 1947 رقم 181) ثم عندما أعلنت إسرائيل قيامها في 15 مايو 1948، دخلت جيوش 6 دول عربية في حرب فلسطين، ولكن العصابات الصهيونية هزمتها جميعًا، ولا بُد من إجراء تحقيق دقيق وأمين في أسباب هزيمة الجيوش العربية مُجتمعةً آنذاك. وبمناسبة الهزيمة، قامت إسرائيل عام 1967 بهزيمة ثلاثة جيوش عربية كبيرة هي: مصر والأردن وسوريا، واحتلت سيناء بالكامل. وقد أعلنت مصر أنها انتصرت في حربها ضد إسرائيل عام 1973، وقد حاول بعض المعلقين التقليل من هذا النصر، ففصلوا بين المعارك العسكرية ومعاهدة السلام، وقالوا إن مصر انتصرت في المعارك العسكرية، بينما "هُزمت" في مفاوضات واشنطن التي أثمرت عملية السلام لإسرائيل.

وبعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، تغيَّر الموقف العربي تمامًا وتبدلت عبارة الصراع العربي الإسرائيلي إلى عبارة "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، وكان ذلك قد تم بصفة رسمية في قرارات القمة العربية فى الرباط عام 1982. وقدَّم الأمير فهد في ذلك الوقت ما يُسمى أول مبادرة سعودية للسلام، وقررت القمة العربية في الرباط أن السلام مع إسرائيل خيار استراتيجي، وقال الرئيس المصري الراحل أنور السادات إن حرب أكتوبر آخر الحروب المصرية ضد إسرائيل، رغم أن إسرائيل هي المعتدية دائمًا، وأن مصر كانت تدافع عن أراضيها، وأن تصريح السادات كان بمثابة إشارة خطيرة إلى أن مصر لن تتصدى للعدوان الإسرائيلي عليها!

عقب ذلك، ظهرت الصيغة العربية للسلام التي ترددت في القمم اللاحقة وتبلورت في قمة بيروت العربية عام 2002؛ بناءً على المبادرة السعودية الثانية، والتي تضمنت أن إسرائيل إذا انسحبت من الأراضي العربية المحتلة دون تحديد، فإنَّ العرب سيقومون بالاعتراف بها والتطبيع معها بشكل جماعي.

لكن تبقى حقيقة ساطعة وهي أن إسرائيل تُهدِّد هُوية المنطقة وتُطوي أشرعة العروبة وتنشر أشرعة الصهيونية.

أما المقاومة الفلسطينية فتريد إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل دون أن تُحدد حدود هذه الدولة؛ ولذلك نورد فيما يلي المآخذ على الصيغة العربية للسلام، التي يجب أن تُعدَّل في ضوء تضحيات الشعب الفلسطيني التي بلغت أكثر من 100 ألف شهيد تحت القصف الإسرائيلي والإبادة الجماعية، وممن استشهدوا تحت الحصار الظالم.

أولًا: الصيغة العربية للسلام التي تتكرر ويدرك الحكام العرب العوار في هذه الصيغة وتقول الصيغة "دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وواضح العوار في خمس نقاط في هذه الصيغة وسوف أقدم في آخر المقال صيغة بديلة يمكن أن يعلنها الفلسطينييون .

العوار الأول أن الصيغة لا تحدد مساحة الدولة الفلسطينية وهم يدركون أن قرار التقسيم لا يزال ساريًا وأن مساحة الدولة الفلسطينية وفق قرار التقسيم تصل إلى 43% من مساحة فلسطين، بينما هذه الصيغة تُعطي الفلسطينيين 22% فقط!

العوار الثاني أن الصيغة لا تذكُر القدس بعد أن أعلنت إسرائيل والغرب أن القدس بأكملها- شرق القدس وغرب القدس- عاصمة لإسرائيل.

العوار الثالث أن الصيغة لا تذكر الجلاء عن الأراضي السورية المحتلة في الجولان.

العوار الرابع أن القدس الشرقية تسميةٌ إسرائيلية، أما شرق القدس فهي الصيغة الأصح، وأن شرق القدس تم احتلاله عام 1967، أما غرب القدس فقد تم احتلاله وضمه رسميًا لإسرائيل عام 1949. والصيغة العربية لا تُدقِّق فى التفاصيل، ثم إنها لا تتحدث عن مصير المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، كما إنها لا تتصدى للمشروع الصهيوني الذى يريد تفريغ فلسطين من سكانها حتى يمكن أن تُنفَّذ "صفقة القرن".

العوار الخامس يتمثل في عدم ذكر قرار التقسيم؛ لأن الإقرار بحدود 4 يونيو 1967 معناه التنازل العربي الرسمي لإسرائيل عن رُبع الأراضي الفلسطينية خارج قرار التقسيم.

وما دام نتنياهو قد أكد أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية خلافًا لقرار التقسيم وقرار عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة الذي اشترط ضمن شروط ثلاثة احترام إسرائيل لقرار التقسيم، فإن معنى ذلك أن الدولة الفلسطينية تقوم على الأراضى المخصصة لها في القرار في أي وقت ودون اعتراض أو موافقة من إسرائيل، وأولى بالعرب أن يلجأوا للجمعية العامة للأمم المتحدة ويستصدرون قرارًا آخر مؤكدًا لقرار التقسيم، لكن إسرائيل مُلتزمة بالمشروع الصهيوني وإنها عندما ترفض حقوق الشعب الفلسطيني، فإنها من باب أولى لا تعترف بهذا الشعب، وتريد إبادته وجلب يهود العالم إلى فلسطين.

أما الصيغة التي نقترحها لحل مشكلة فلسطين فهي كالتالي:

في ضوء تضحيات الشعب الفلسطيني وسياسات الإبادة الإسرائيلية، فإنَّ الشعب الفلسطيني لا بُد أن يرفض رسميًا الوصاية العربية عليه، ومن جهة أخرى يتمسك بتقرير مصيره بنفسه وعلى أرضه، ويترتب على ذلك أن يرفض بكل الطرق تهجيره إلى مصر أو الأردن، وأن تتكاتف كل الأطراف- مقاومة وسُلطة- من إجل اعلان الصيغة الآتية، حتى لو لم تكن الظروف مواتية لتنفيذها، ويكفي أن تكون عنوانًا للمرحلة المقبلة، وهي أن "الفلسطينيين أولى بفلسطين كلها من الصهاينة، وأن من بقي منهم في فلسطين يُعتبرون فلسطينيين يضمنهم الدستور الجديد لفلسطين فى إطار دولة فلسطينية عربية ديمقراطية"، وليطلب اليهود أي ضمانات يرونها للتعايش داخل هذه الدولة، ولو كان الصهاينة قد قبلوا أن صاحب البيت يُقيم خيمة بجوارهم وهم غُزاة لكان الوضع مختلفًا تمامًا، ولكن إذا كانت فلسطين لا تتسع للعرب والصهاينة ويريدون الانفراد بها.

إنَّ العدالة تقول إنَّ أهل فلسطين العرب أولى بها؛ لأنَّ الصهاينة جميعًا لهم أوطان أخرى، وقدِمُوا إلى فلسطين في إطار المشروع الصهيوني الذي مارس أعلى درجات الدجل على بسطاء اليهود، ويجب على يهود فلسطين وعربها أن يتحدوا معًا ضد هذا المشروع، وأن يعيشوا معًا في إطار ديمقراطي حقيقي وليس ديمقراطية الصهاينة العنصرية التي تشهدها دولة الاحتلال الإسرائيلي.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا