الصين وتايوان.. وصوت الحكمة

 

 

مدرين المكتومية

75 عامًا من الجغرافيا القلقة... هكذا يُمكن توصيف حالة الخلاف الصيني التايواني، الذي بدأ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولا يزال قائمًا، صحيحٌ أنه يهدأ أحيانًا لكنه يطفو على السطح أحيانًا أخرى، وبين هذه وتلك، يبقى السؤال مشروعًا حول توقيت وآلية وسياسة إنهاء هذا التوتر بين جغرافيتين يُمثل كلاهما قوَّة صاعدة وبقوة، الصين بسياساتها الرصينة واقتصادها القوي ودبلوماسيتها المنفتحة على العالم، وتايوان الرائدة عالميًّا في قطاع التكنولوجيا وصناعة الرقائق الإلكترونية صاحبة المركز السابع كأكبر اقتصاد في آسيا.

وهنا.. يلزم التأكيد على أنَّ دروس التاريخ- التي لا يزال يُعلِّمُنا إياها من رحم الأحداث- تؤكد أنَّ الاحتكام للحكمة وانتهاج مبدأ الحوار البنَّاء والتفاوض هو المسار الأنجع والأكثر قدرة على حلحلة أي خلاف وإنهاء أي توتر. وفي ملف العلاقات الصينية التايوانية أعتقد أن الأمر قد يمضي بشكل أكثر سلاسة في حال تحييد الأطراف الخارجية عن التدخُّل؛ فعلى الرغم من هذا التاريخ الذي يبدو طويلاً نوعًا ما في التوتر، إلّا أنَّ العلاقات بين البلدين وخصوصًا الثقافية والاقتصادية، لم تنقطع؛ بل استمرت وتوطَّدت بمرور السنين، باستثناء بعض المناوشات التي تتسبَّب فيها حدَّة الخطاب المتبادل، والمناورات العسكرية بين الحين والآخر والتي تُعكِّر صفو جهود تقريب وجهات النظر وحل الخلاف.

وبعيدًا عن البروباجاندا الإعلامية؛ فإنَّ حجم الاستثمارات المشتركة اقتربت خلال العقود الثلاثة المنصرمة من حاجز الـ200 مليار دولار، وكان التبادل التجاري بينهما خلال العام 2020 وحده حوالي 166 مليار دولار. وكذا على المستوى الشعبي، فهناك حوالي 400 ألف تايواني يُقيمون في الصين بشكل دائم لإدارة أعمالهم الصناعية والتجارية والخدمية، كما إن هناك تايوانيين يؤيدون سياسية "الصين الواحدة" المعترف بها دوليًا، ومن ثمَّ يتعين أن تكون القرارات المصيرية بين الجانبين قائمة على الحكمة، لتفادي أي تراجع اقتصادي أو سياسي، ولتجنب أي آثار سلبية في تلك المنطقة من العالم؛ بل وقد يتطور الأمر لتدخلات عسكرية خارجية ويُربك اقتصادات دول عديدة، ويُؤجج استياءً عالميًّا لن يخدم أبدًا مصالح أحد.

إنَّ الصين وتايوان بما أسساه طوال العقود الماضية من سمعة طيبة على مستوى الرصانة السياسية والعقلانية في التعامل مع الدول الأخرى، يُعوَّل عليهما اليوم، في استثمار ما تحقق لهما من قبول واحترام دوليين، وتقدُّم صناعي واقتصادي، واستقرار سياسي واجتماعي، للبناء عليه في إيجاد حل عاجل وعادل لتحسين مستوى العلاقات، والتوصُّل لنقاط توافق مشترك، وتنحية الخلاف جانباً، ليعم السلام والاستقرار والتفاعل الإيجابي للعلاقات بين جانبي المضيق، كمفتاحٍ وضمانة لتنمية سلمية للعلاقات بينهما.

وأستحضر هنا في ختام هذه السطور، موقفيْن يُعززان التفاؤل بشأن مستقبل أكثر استقرارًا للعلاقة بين بكين وتايبيه؛ الأول دعوة الرئيس الصيني شي جينبينغ في العام 2019 كل القطاعات على جانبيْ المضيق لإجراء مشاورات ديمقراطية شاملة ومُعمَّقة، ترتكز على الأساس السياسي المشترك بشأن دعم "توافق 1992"، سعيًا للوصول إلى ترتيب مُؤسَّسي يدفع التنمية السلمية للعلاقات بين جانبي المضيق، والموقف الثاني لرئيسة تايوان تساي إينج وين، في العام 2020، حين أعلنت رغبة بلادها في إجراء "حوار هادف" مع الصين يحافظ على التكافؤ، ويضمن استقرار العلاقات لما فيه مصلحة الجانبين.

وأخيرًا.. إن السلام والوئام بين الدول والشعوب، هو السبيل الناجع والوحيد لتحقيق الاستقرار المنشود، وتحسين مستوى معيشة الناس، وتنمية الاقتصادات، ونشر العدالة في ربوع العالم.