ملف الباحثين عن عمل.. هل يدق ناقوس الخطر؟

 

 

إبراهيم بن سالم الهادي

لا أُريد في هذا المقال الإشارة إلى الخطر الذي يحدق من بعيد بسبب ازدياد أعداد الباحثين عن عمل، وما قد يؤُول إليه من تداعيات لا يريدها الجميع، ولا أريد الإشارة أيضًا إلى خطورة الوضع من حجم هذا الملف الذي قد ترتفع معه مؤشرات الجريمة، وأن تجد معه مافيا المخدرات والاحتيال الإلكتروني وغيرها من الجرائم مساحةً مع تزايد أعداد الباحثين عن عمل، والذين قَضَى عدد منهم أكثر من عشر سنوات باحثًا عن عمل من مؤسسة لأخرى، دون جدوى، ولا أريد كذلك الإشارة إلى هدر طاقات الشباب وكبتها بالإحباط واليأس والجلوس في البيوت في ظل ارتفاع فواتير الكهرباء والمياه وشركات الاتصالات، وإنما أريد أن أضع بعض الأفكار والمقترحات، ربما يجد فيها المخلصون بارقة أمل للخروج من هكذا وضع.

في ملف الباحثين عن عمل، لا يوجد تقصير من قبل وزارة العمل أو النظام الموضوع، وجميع موظفيها يعملون بكفاءة عالية من أصغر موظف إلى أكبر مسؤول، إلَّا أن تحرير هذا الملف يتطلب إستراتيجية ذكية وأفكارًا جديدة خارج الصندوق، ويمكن توظيف النظام الحالي لتنفيذ الإستراتيجية الجديدة كونه نظامًا جيدًا، لكن كيف؟

أولًا: نَقترح تأسيس صندوق يُعنى بالتوظيف وفق معايير محددة وأهداف خاضعة للتطبيق، يُؤسِّس على غراره مصانع وشركات في 11 محافظة، مُوزَّعة على 63 ولاية، وتضخ الحكومة فيه من موازنتها السنوية 126 مليون ريال، بمعدل 2 مليون ريال عماني لكل ولاية، يُنشأ فيها مصنع أو شركة، وذلك لدعم الرواتب، مع وضع سقف زمني لا يتجاوز الخمس سنوات على أن يُخفَّض مبلغ الدعم تدريجيًّا مع بداية الإنتاج في هذه الشركات والمصانع؛ لأنها ستكون حينها قد حقَّقت اعتمادًا كليًّا من مواردها من خلال دخل الإنتاج، على أن تُوكَل للمحافظين والولاة مهمة اقتراح المشاريع المدروسة ذات الجدوى الاقتصادية المستدامة. فمثلا أن يتم في ولاية سمائل إنشاء مصنع لتغليف التمور وتسويقها خارج سلطنة عُمان، وفي ولاية صور مصنع للسفن والمراكب، وفي ولاية الدقم مصنع لعربات الشحن واللوجستيات، وفي جزيرة مصيرة مصنع للأسماك، وفي ولاية الجبل الأخضر شركة لزراعة مختلف أصناف الفواكه، وهكذا كل ولاية، وما تتميز به من مقومات قابلة للإنتاج؛ لأن هذه الأعمال غالبًا تفشل لو أوكلت للجان يتقاضى أعضاؤها مكافآت، فيما ستحقق النجاح المنشود لو أُسنِدَت لشركات متخصصة أو مؤسسات تطوعية مخلصة.

وعند وضع قائمة المشاريع، تُسلَّم خطط إقامة المصانع لشركات القطاع الخاص وفق معايير وأسس يشترط فيها توظيف الشباب الباحثين عن عمل بنسبة لا تقل عن 70% من الولايات نفسها، ويتحمل صندوق التوظيف المقترح رواتبهم، إلى أن تقف هذه المصانع على أقدامها وتصبح ذات مردود جيد، وبذلك تتحقق عدة فوائد، تتراجع معها أعداد الباحثين عن عمل، وتتطور الصناعة، وينخفض مؤشر الجريمة.

ولا أعتقد أن تطبيق هذه الأفكار يتطلب جهدًا كبيرًا أو سيولة هائلة في التمويل، خاصةً إذا ما وُضِعَت المعدات والأدوات اللوجستية كأولوية عن مباني الإدارات الضخمة، فلا داعي لمبانٍ ضخمة يفوق نسبة رأس المال فيها نسبة المعدات والتشغيل، فمجرد تخصيص أرض فضاء وتوفير المعدات في سور مستطيل أو مربع يفي بالغرض.

وهناك موضوع أهم من ذلك بكثير، وهو أن تُسند مثل هذه الخطط لمسؤولين أو موظفين يحملون أصلًا على عاتقهم مهام عملهم؛ فيعجزون معه عن الجلوس مع أنفسهم للعصف الذهني أو وضع الخطط والإستراتيجيات. لذا؛ المطلوب أن تُسند مثل هذه الخطط إلى شركات متخصصة أو أناس متفرغين كالكفاءات المتقاعدة مثلا، أو شباب لديهم فكر متقد بنَّاء، وحتى لا تضيع مثل هذه الأفكار نتيجة عدم إلمام أي مؤسسة بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، أقترحُ أن تصدُر القرارات من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأن تقوم الأمانة باقتراح المؤسسات المسؤولة عن تنفيذ هذه الأفكار على أرض الواقع، بما فيها من جهات إشرافية ومتابعة، أو أن تتبناها وحدة تنفيذ رؤية عُمان 2040، وتوكل المهام للمؤسسات المعنية للتنفيذ.