بسبب حوادث العنف بين الطلبة.. هل تعيد المدارس النظر في "سياسة العقاب" لتصحيح السلوكيات الخاطئة؟

...
...
...
...
...
...
...
...
...

◄ الفهدي: الشجار بين الطلاب ليس ظاهرة مستفحلة.. والتربية السليمة أساس الشخصية المتزنة

◄ السيابي: يجب فتح نوافذ حوارية مع الطلبة وتفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين

◄ المحرزي: وسائل التواصل الاجتماعي سبب رئيسي في الانحرافات الأخلاقية لدى بعض الطلبة

◄ السعدي: غياب العقاب يشجع بعض الطلبة على التمادي في العنف

◄ البلوشية: نحتاج إلى برامج توعوية شاملة لتعزيز القيم الإنسانية

السيابية: البيت والمدرسة والمعلم عليهم دور كبير في تعزيز سلوكيات الطلاب

 

الرؤية- فيصل السعدي

يؤكد عدد من التربويين ضرورة تنسيق الجهود لتعزيز القيم الإنسانية والدينية لدى طلبة المدارس، والقضاء على بعض الممارسات الخاطئة مثل التنمر والشجار والاعتداء على الآخرين، لافتين إلى أن ظهور بعض حوادث العنف بين الطلبة قد يرجع إلى غياب سياسة العقاب المناسبة في المدارس.

ويرى المكرم الدكتور صالح الفهدي أن مشاهد الشجار بين الطلاب ليست مقتصرة على هذا العصر، إذ إنها أمر طبيعي يحدث بين الطلاب في مختلف الأجيال، مضيفا: "أقول ذلك من أجلِ أن لا نحمِّل بعض مشاهد العراك طابع الظاهرة المستفحلة بين الطلاب، ولكن نظراً لوجود وسائل التواصل الاجتماعي اليوم فقد أسهمت في تضخيم الخلاف، ونشر الموقف على نطاق واسع".

ويشير إلى أن التركيز يجب أن يكون على الطبيعية الأخلاقية للطلاب وهذا يرجع إلى التربية الأسرية القومية التي تنبني على الأخلاق الحسنة واحترام الآخرين وتقدير الذات والتعاطي بروح سمحة مع المخالفين في وجهات النظر، فكلما رسخت الأسرة هذه القيم في نفوس الأبناء منذ الصغر، كلما كانت شخصية الطالب متزنة وتتحلى الأخلاق الرفيعة.

ويقول الفهدي: "لم يعد الطلاب يخشون من عواقب أفعالهم في المدارس، ونجد الكثير من التصرفات غير الأخلاقية تصدر منهم؛ وذلك لأن المجتمع سابقاً يتشارك في تربية الأبناء ولم تكن التربية مقصورة على الأسرة، ولهذا كان التوجيه والإرشاد والنصح يأتي من مصادر مختلفة، أما اليوم فقد اختلف الوضع فتقلصت المصادر التي يتلقى فيها الطلاب النصائح والتوجيهات، واقتصر ذلك على الوالدين والمعلمين".

ويضيف: "أما مسألة الضرب فلستُ مع الذين يرون أن الضرب أيَّا كان هو وسيلة التقويم والإصلاح، لأن الضرب كان أداة عنف واستبداد لدى البعض في الماضي غالباً، وكان يسيء استخدامه لتوافه الأمور، مفرغاً شحنات الطاقة السلبية في الأبناء أو الطلبة، ولذلك أورث الضرب العنيف عقداً في نفوس المتعلمين، وفي المقابل هناك وسائل مختلفة للتربية والتقويم مبنية على أساسٍ من الحب والعاطفة والإقناع والتعليم والحوار ورفع الوعي الإنساني من خلال أدوات تخاطب العقل والقلب لأن تأثير هذه الأدوات هو أدوم وأثبت على مدى الأعمار.

ويلفت الفهدي إلى تأثير مشاهد العنف في المسلسلات والأفلام على سلوكيات الطلبة، مبينا أن الدراسات أثبتت أن مشاهد العنف في الألعاب الإلكترونية وفي الأفلام والمسلسلات لها أثر بالغ على الأطفال/الطلبة، وذلك لما تغرسه فيهم من عنفٍ وإيهام بالقوة الجسدية، وتحقير الآخر والسخرية منه، فتستقر في العقل الباطن حيث تظهر ردات فعله لاحقاً في المواقف المختلفة، مبينا: "يجب إبعاد الأبناء عن ألعاب العنف، واقتصار اللعب على الألعاب التي تحفز العقل، وتنشِّط المدارك وتضيف المعلومات، كما يفترض إشغال الأبناء بأنشطة فكرية وفنية وعقلية، وهي أجدى وأنفع من مشاهدة الأفلام العنيفة التي تصوِّر القرصان بطلا والسارق ذكيَّا".

من جهته، يطالب خلفان بن سعيد بن سقيط السيابي مشرف إدارة مدرسية، جميع المدارس بفتح نوافذ للحوار مع الطلبة حول مختلف القضايا المعاصرة التي تلامس واقعهم، وغرس مفاهيم احترام الرأي الآخر في نفوسهم، وتفعيل دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي بالمدارس، وتوفير الحصص الإرشادية والبرامج التوعوية التي تركز على مناقشة المشكلات الطلابية السلوكية وعدم تركها معلقة، وتنمية المعارف والمهارات وتشجيع الطلبة على ممارسات التواصل مع زملائهم، وتعزيز التواصل مع أولياء الأمور لدعم الدهود التربوية، بالإضافة غلى تنسيق الجهود مع المؤسسات المدنية التي تهتم بالجوانب التربوية والسلوكية، وعقد ندوات وورش عمل للخروج بنتائج تساعد المدارس على الحد من ظواهر العنف بين الطلبة وإيجاد حلول ناجعة للمشكلات السلوكية، كما يجب توظيف التقنيات الحديثة في جهود توعية الطلبة وأولياء الأمور والمجتمع المدرسي.

ويوضح: "نجد الكثير من التصرفات غير الأخلاقية تصدر من الطلاب؛ وذلك بسبب بعض القصور في تربية الطلبة على القيم والاتجاهات الحميدة من قبل الأسرة، مما يجعل المدارس تعيد بناء الأخلاق والقيم عند الطلبة، كما أن هناك قصورا في الوعي الفكري وثقافة السلام والتسامح بين الطلبة، إلى جانب غياب القدوة والسمت العماني نتيجة غياب دور السبلة العمانية، بالإضافة إلى غياب الكثير من العادات والتقاليد الموروثة نتيجة غياب القدوة وغياب الضرب التأديبي في الحدود التي يقرها قانون الجزاء العماني والتي تمارس من قبل الأب في المنزل والمعلم في المدرسة، والذي يعالج الكثير من السلوكيات بالمدارس، بالإضافة إلى عدم تفعيل لائحة شؤون الطلبة في الكثير من المدارس، والتي يجب مراجعة بعض بنودها، كما أن هناك غيابا لدور الإعلام التربوي الموجه والذي يسلط الضوء على القضايا الطلابية".

ويتابع السيابي قائلا: "نجد أن دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي تحول إلى دور إداري أكثر منه دور توعوي لمعالجة القضايا المتعلقة بالطلاب، كما أن بعض الطلبة يستهترون ببعض العقوبات التي باتت تقتصر على النصح والإرشاد وافتقدت للعقوبات التأديبية".

كما يطالب السيابي أولياء الأمور بعدم إعطاء أبنائهم الهواتف الذكية دون متابعة أو رقابة، وعلى وزارة التربية والتعليم أن تكثف من حملات التوعتية بالتنسيق مع شرطة عمان السلطانية ووزارة الإعلام بما يخدم الطالب والبيئة المدرسية والمجتمع المحلي الذي يعيش فيه.

أما سعيد بن محمد المحرزي- مشرف أول تربوي متقاعد ومدرب تربوي- فيؤكد أن عملية تربية الأبناء تبدأ منذ الولادة وتستمر إلى ما بعد المراهقة، وأن مواجهة حوادث العنف بين الطلاب يتطلب تربية الطفل منذ الصغر على حب الله تعالى وحب النبي صلى الله عليه وسلم وربطه بكتاب الله تعالى وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير العظماء من الصحابة والعلماء والمصلحين حتى يكون نافعا لنفسه ولمجتمعه ووطنه، بالإضافة إلى أن المؤسسات التربية تحتاج إلى تدريب الكوادر التعليمية على بعض السلوكيات التي تحتاج إلى تدخل من قبل الأخصائيين الاجتماعيين والمختصين لعلاجها قبل أن تتفاقم مثل سلوك التنمر الذي يحتاج إلى منهج عملي تطبيقي يركز على منظومة القيم ويستوعب الطاقة الكبيرة لدى الطلبة، ودعمهم نفسيا واجتماعيا.

ويقول المحرزي: "عبارة من أمن العقوبة أساء الأدب، هي أقرب سبب يربطني بعدم خشية بعض الطلاب من عواقب أفعالهم في المدارس؛  فإذا أحس الطالب أنه بمأمن من العقوبة والحساب على أفعاله وتصرفاته، فإن ذلك بمثابة تصريح له على ممارسة ما يشاء من التصرفات والأفعال، وهنا فإننا نحتاج لتشخيص الأسباب الرئيسية المؤدية لتلك الأفعال المشينة، وحينما نتأمل تلك الأسباب نجدها ضمن دائرة الأسرة أولا ثم المدرسة ثانيا ثم تأتي وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها والتي قد يعتبرها البعض مسبب رئيسي لانحراف أخلاقيات بعض الطلبة، ولو تأملنا أكثر في الأسرة والمدرسة لوجدنا أن ضعف الجانب الإيماني للأبناء له دور كبير في ضعف منظومة القيم لديهم، كذلك تخلخل منظومة الثواب والعقاب في الأسرة والمدرسة له الأثر الكبير في بناء شخصية غير مسؤولة وغير مدركة لأبعاد تصرفاتها، فالولد أو البنت الذي لا يجد الثواب أو العقاب المناسب والحازم لفعله وتصرفه فإن ذلك يعزز من انطفاء الفعل الجيد وسيادة الفعل المشين".

وفي السياق، يرى راشد بن مهنا السعدي- ولي أمر- أن "رفقة السوء" هي من أهم أسباب انتشاء العنف والشجار بين الطلبة وانتشار التنمر والسلوكيات غير الأخلاقية، مضيفا: "نجد في الكثير من الأحيان وجود ضحية أو ضحيتين في بعض الفصول الدراسية يتعرض فيها الطالب إلى الإساءات اللفضية والحركات اللاأخلاقية وقد تصل إلى الشجار وظهور ما أشبه بالعصابات ودوافع الإنتقام والعنف، وهذه الظواهر السلبية قد تؤدي إلى تدهور البيئة التعليمية وتعرض الطلاب للضغوط النفسية والعاطفية، ومواقف التنمر التي يتعرض لها طلاب المدرسة تأثر سلبًا على مستوه التحصيلي وتدهور الثقة بالنفس والشعور بالعزلة والاكتئاب".

ويشير السعدي إلى أن ضعف التواصل والتفاهم بين الطلاب وبين المعلمين وإدارة المدرسة، تزيد من التوترات والصراعات بين الطلاب، كما أن تكرار مشاهد العنف والعراك  تخلق جوًا من الخوف وعدم الأمان في المدارس، وهو ما يؤثر على تركيز عموم الطلبة وقد تمتد هذه المشاكل إلى ما بعد الدراسة، مشددا على ضرورة تعزيز الوعي بأهمية الاحترام والتسامح والتعاون وتكثيف برامج لمحاربة كافة أشكال التنمر وتشجيع الطلاب على الإبلاغ عن أي حالات تنمر، وتقديم الدعم العاطفي والنفسي للطلاب الذين يعانون من أثر العنف والعنف.

ويذكر قيس بن سيف بن سعيد السعدي- طالب في المرحلة الثانوية- أن أغلب حالات الشجار في البيئة المدرسية تبدأ بالتنمر والألفاظ السيئة، مبينا: "تبدأ المشكلة بأسباب تافهة لا تستدعي الشجار بالأيدي، لكن بسبب عدم وجود عقوبة رادعة من قبل المعلم أو المدرسة فإن هذه الحوادث تتكرر قبل أو بعد اليوم الدراسي وفي حال حدوث شجار بين طالبين تجد مجموعة كبيرة من الطلاب يشاهدون ويستمتعون بالمشاهدة، وفي معظم الأحيان تجد أن المتفرجين من الطلبة هم سبب إشعال شرارة الفتنة بين الطالبين المتعاركين، ويقومون بتصوير مشاهد الشجار ليكون دليلا علن أن هذا الطلاب هزم زميله، ويصبح هذا الفيديو محفزا لنار الغضب لكي يأخذ الطالب الذي وقع عليه الاعتداء بحقه لاحقا، وتستمر هذه العداوة بين الطلبة طوال العام".

من جانبها، توضح سليمة بنت سالم البلوشية رئيسة مجلس أولياء الأمور باللجنة المجتمعية في ولاية السيب: "تُعد ظاهرة العنف في المدارس من القضايا الملحة التي تواجه المجتمعات الحديثة، حيث تؤثر بشكل سلبي على البيئة التعليمية وتعيق تطور الطلاب من جانب التعليمي والنفسي، وبالتالي تنتج عن هذه الظاهرة مجموعة معقدة من العوامل النفسية والاجتماعية والأسرية، ما يجعل التعامل معها يتطلب استراتيجيات متعددة الأبعاد وشاملة، كما يُعد العنف المدرسي تهديدًا خطيرًا لسلامة الطلاب ويؤثر على شعورهم بالأمان، مما يستدعي تدخلاً فعّالاً ومبنيًا على فهم عميق لأسباب هذه الظاهرة، ولذلك يجب مواجهة العنف بين طلاب المدارس، وإشراك ولي أمر الطالب في  برامج تثقيفية تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية في إطار ورش عمل وبرامج توعوية تهدف إلى كيفية التعامل مع التنمر وحل الخلافات بطرق سلمية وتعزيز قيم الاحترام المتبادل والتسامح والتفاهم بين الطلاب من خلال الأنشطة المدرسية والمناهج التعليمية مكثفة".

وتضيف: "نحتاج إلى تدشين ، برامج لتعزيز الثقة بين الطلبة وتحفيزهم وتنمية والقدرات الشخصية لديهم للحد من الأنشطة السلبية وحالات العنف، كما إننا بحاجة إلى تركيب كاميرات مراقبة دائمة في فناءات وممرات المدرسة، لكي تمكن إدارة المدرسة من التدخل الفوري والقضاء على تجمعات الشجار".

وتلفت إلى أن تخفيف السياسات العقابية في المدارس من أسباب تغير سلوكيات الطلبة لأنهم لا يخشون من أي عقوبة، بالإضافة إلى قلة النماذج الإيجابية في حياة الطلاب سواء في المنزل أو المجتمع ما يجعلهم يتخذون قدوات من وسائل التواصل الاجتماعي قد تدفعهم إلى العنف.

أما بدرية بنت حمد السيابية- كاتبة ورئيسة مجلس أولياء الأمور بمدرسة أم معبد الخزاعية بولاية السويق- فتبيّن: "نحن نعيش في مجتمع مسالم حيث حثنا ديننا الحنيف على التسامح والمودة والمحبة، ولذلك يجب أن تكون هناك مراقبة شديدة للطلاب من قبل البيت والمدرسة والمعلم، وأن نأخذ بأيدي الطلبة نحو المسار الصحيح، ونحن الآن بحاجة إلى الإشراف على الطلبة من قبل المعلمين بدءا من الخروج إلى المنزل صباحا وحتى عودتهم بعد انتهاء اليوم الدراسية".

وتؤكد: "جلوس الأبناء خلف شاشات الكمبيوتر والهواتف المحمولة دون مراقبة عزز لديهم السلوك السلبي ، وأصبحت جلسة الأجزة والشاشات أقرب وأحب لهم من جلست العائلة والصحبة الحسنة، لذلك تجد مشاهد العنف وأفلام العراك هو شغف وحلم لبعض الطلبة قد يجعلهم يمارسونه في بيئة المدرسة وفي الحياة اليومية".

تعليق عبر الفيس بوك