راشد بن حميد الراشدي
الوطن هو الأم الرحوم الرؤم على أبنائها الباذلة حياتها وشبابها من أجل رفعة شأنهم وعلو قدرهم وصلاح غدهم ومستقبلهم، والمواطن هو الابن البار الحاني على وطنه، المُضحِّي بكل غالي ونفيس من أجله الباذل شبابه وحياته من أجل أمنه وأمانه الرافع راية وطنه خفاقة بين الأمم.
هذه هي العلاقة الابدية الخالصة بين الوطن والمواطن عبر جميع العصور والحقب وفي جميع البلدان فحمية وعصبة الأوطان، لا تحدها قوانين ولا قواعد ولا سنن سوى محبة الوطن وصلاحه. وهذه العلاقة الأزلية تترجمها المواطنة الصالحة في هذا الوطن الغالي العزيز وما جُبل عليه العمانيين منذ القدم من اعتزاز وحبة لوطنهم والدفاع عنه والغيرة من أجله والسعي والاخلاص لرفعته.
وما نشاهده اليوم من تداعيات الحياة واختلاط المجتمعات مع بعضها البعض عبر كثير من الاطر كالعمل والسياحة والزيارات المتبادلة، أنتج الكثير من الازمات والتي أتت بقوانين جديدة تنظم تلك العلاقة لكل تلك الأطر التي استحدثها اسلوب الحياة الجديد.
ومع النهضة التنموية الشاملة التي يشهدها العالم وخاصة دول الخليج العربي وسلطنة عمان، كان لزامًا الاستعانة بخبرات الاشقاء والاصدقاء في بناء دولة عصرية للعمل في كثير من المهن والاعمال وحسب المجالات التي تحتاج اليها الدولة من بناء وتعليم وصحة وغيرها من مناحي الحياة، والتي سارت على نهج وقوانين محددة لتلك العلاقة طوال السنوات الماضية من عمر النهضة العمانية الحديثة.
واليوم ومع تطور انماط الحياة ووجود مسوغات جديدة؛ كالاستثمار وعقود العمل مع وجود الكثير من مخرجات التعليم لابناء هذا الوطن من المؤهلين علميًا وعمليًا ومن اصحاب الخبرات من أبناء عُمان وفي مختلف المجالات والمؤسسات، ووجود أعداد كبيرة تتضاعف سنويًا من الباحثين عن عمل، ومع بعض الاحداث الفردية المؤسفة في استغلال العمالة الوافدة لوجودها في سلطنة عُمان لممارسة طرق التحايل والاختلاسات المالية والهروب بها خارج السلطنة، اضافة الى استغلال برامج الاستثمار- التي تقدمها الحكومة- في اوجه غير صحيحة، نافست المواطن في موطنه، ومن خلال الانظمة والقوانين، يستطيع الوافد أن يحصل على جميع حقوقه بالقانون، بينما قد لا يحصل المواطن على حقوقه من الوافد عند هروبه من الوطن، فهناك من ضاعت حقوقهم بين ملزم بها وبين غير ملزم بها، والامثلة كثيرة من حولنا، أضف الى ضعف التعيين في الوظائف، والتي باتت معدومة لأبناء الوطن، بينما يتوافد آلاف الوافدين يوميًا على العمل في مختلف الفرص الوظيفية بعد الحصول عليها بسهولة ويسر عبر مختلف الشركات.
أتساءل اليوم عن حق المواطن في العمل، في ظل ما نراه من تكدس أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل، والتي تجاوزت 100 ألف باحث عن عمل، إلى جانب عدد ليس بالقليل من المُسرَّحين عن عمل، في وطن يعمل فيه مليون وسبعمائة ألف وافد.
أين حقوق المواطنة الصالحة التي يجب أن تكون هي نصب عين كل مسؤول في هذا الوطن، وان توضع لها الخطط والرؤى التي تساهم في اعتمادها على ابناء الوطن في شَغْل تلك الوظائف؛ فالوطن والمواطن وجهان لعملة واحدة، في صلاحهما تُبنى الامجاد ويصلُح حال الامة، وتتطور نحو الازدهار والرقي.
لذا.. إنني أُناشد اليوم كل من يهمه أمر هذا الوطن وشبابه، بأهمية تعزيز المواطنة الصالحة لابناء عُمان الاوفياء، من خلال توفير ما يحتاجونه من أوجه الحياة السعيدة، وخاصة الوظيفة، وذلك من خلال خطط ورؤى ناجحة وفاعلة، والبُعد عن الاتكال على الغير، وتدريب وتشجيع الشباب المؤهل للانخراط في جميع مجالات العمل، عبر الفرص الوظيفية المعروضة، والمجالات التي يمكن إحلالها؛ فاليوم لا يوجد بيت إلّا وفيه باحث واحد عن عمل على الأقل، إن لم يكن أكثر.
الوطن والمواطن سيجد كل منهما حاجته إذا تُرجِمَت كل الحقوق إلى واقع ملموس نعيشه ونشهد عليه، وكفانا تواكلًا على الاخر؛ فلقد وصلنا إلى الحد الذي لا بُد ان نعتمد فيه على انفسنا، مع الاستفادة من العمالة الوافدة في كل ما نحتاجه منها من الخبرات والمجالات التي تنقصنا، أما ما عداه؛ فأتمنى- ويجب- أن تكون الأولوية للمواطن، وكم من قصص ناجحة أسعدتنا من ابناء الوطن وكم من قصص أخرى بكينا عليها أسفًا بعدما هرب الوافد بالأموال وخسر المواطن.
إن وجود اكثر من مليون وافد مع عدد كبير من الباحثين عن عمل، أمر يجب أن تُشحذ له الهِمم وأن نرى معالجات حكومية توفر فرص العمل للمواطنين.
إنني اناشد جميع المسؤولين ببذل المزيد من الجهد لخدمة الباحثين والمُسرَّحين وتسخير كافة الطاقات والموارد ليرى المواطن أثر اهتمام وطنه به ويحيا حياة كريمة.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها، وأدام عليهم الخير في وطن يرفل بالامن والامان والاستقرار.