لا تغفلوا عن جرح غزة

 

 

منى بنت حمد البلوشية

مَا زالتْ هذه المشاهد تُداهم وتقتحم مُخيلتنا، فأصبحت بين أعييننا لا تبرح عن جوارحنا، كم هي مؤلمة بحقنا قبل أن تكون بحقهم، لأننا نشاهدهم عن بُعد ونكابد ما يكابدونه من ألمٍ وفقدٍ وحرمان وتجويع وباقي المشاعر الحزينة المؤلمة، ولا نستطيع فعل شيء لهم.

إنها أحداث غزة ومدن فلسطين العزة الأبيّة التي ما زالت صامدة في وجه العدو، ونُشهد الله أنَّا لم نعتد تلك المشاهد المُدمية والمبكية وبكاء الأمهات الثكالى والأبناء اليتامى والمسنين وجميع الأرواح هناك، وما أبشعها من مشاهد نشاهدها، وما أشدّ الحزن الذي يعانيه الشعب الفلسطيني كل يوم، وازدياد أحزانهم وفقدهم وحرقة فؤادهم، وقلة حيلتهم واحتياجاتهم من المُؤن وغيرها، وأحلامهم وطموحاتهم التي ذهبت مع كل قصف صهيوني ومنازلهم التي كانت تعني لهم كل شيء: مأواهم وأمانهم وذكرياتهم الجميلة، وهم الآن تحت تلك الخيام التي لا تقيهم برد الشتاء ولا حرارة الصيف.

عندما أعلنتْ "حماس" موافقتها لوقف لإطلاق النار، هنا وقف الجميع في أرجاء فلسطين الأبيّة وغزة العزة مهللين مكبرين مباركين بهذا الخبر، والفرح يعلوهم هاتفين بأعلى أصواتهم "الله أكبر" وينتظرون موافقة الصهاينة اليهود، غير أن الخبر لم يتم إلّا بوابل من الصواريخ على مدينة رفح والمزيد من الشهداء والجرحى، وازداد الجرح والألم على القلوب، وفي رفح خيمة النازحين الأخيرة، تُخلى بيوتهم وتُقصف، فإلى أين ينزح النازحون بعد هذا؟ وما اشتدت إلا لأن فرج الله قريب بإذنه تعالى.

دروس وعِبر علَّمتنا إياها غزة وما زلنا نتعلم منها، علمتنا رُغماً عنا ووضعتنا تحت مُخدِّر لا يزول تأثيره مدى الحياة، علمتنا أكبر الدروس فهي كانت وما زالت مُعلم العالم بأسره، علمتنا أننا إنْ أردنا شيئاً فإننا نستطيع الحصول عليه بلا منازع، وأن المعجزات لا تحدث من تلقاء نفسها وإنما من قوة الإرادة والعزيمة كتلك الصورة التي شاهدتُها عبر أحد برامج التواصل الاجتماعي بداخل مخيم بمدينة رفح لطالب فلسطيني يُناقش رسالة الماجستير، لم يتعلل بالتوقيت ولا المكان، فهناك طموح عليه أن يتحقق ويخرج للعالم، فحققه بقوة إرادته وعزيمته، ولم يُثنه شيء رغم الحصار والفقد والألم، علمتنا غزة أنَّ الأوطان ليست لأحد سوى ساكنيها الأصليين، هم الأحق بها، ومهما طال الزمان فأرض فلسطين باقية وسيخرج منها كل عدو صهيوني محتال، وسيصدحون هم بأعلى أصواتهم يهتفون نحن المستمسكون بأرضنا الحرة الأبيّة، لأنها مأوانا وأماننا والحضن الدافئ الذي لا يضاهيه حضن آخر، هي الوطن الذي نفديه بدمائنا حتى آخر يوم لنا على وجه الأرض.

علَّمتنا غزة أنَّ النِعم لا تدوم إلا بالحمد والشكر لله عزوجل الدائم الباقي، دون الانشغال بملهيات أخرى، وألا نغفل عن ظاهر النِّعم وباطنها، وألا تُلهِنا عن ذكره وعبادته، فالله عز وجل وجوده دائم في كل وقت وحين نلجأ إليه، وأن آياته الكريمة في كتابه العزيز هو سر القوة والصمود، وشهداء وجرحى غزة يستشهدون وأصابعهم تُسبِّح له عز وجل، والجرحى يخرجون من غرف العمليات وهم يتلون آياته الكريمة وهم في غير وعيهم.

علَّمتنا غزة أنَّ الأطفال يكبُرون قبل أوانهم وبحجم معاناتهم والمصاعب التي تعرضوا لها، وكل هذه الأحداث أمام أعينهم، وأنَّ الصهاينة سيواجهون جيلاً قويًّا لا يُهزم، فقد شاهد كل أنواع الفقد والحرمان.

علَّمتنا غزة أنَّ الأوقات التي تمر بلا ذكر الله هي كالماء المنسكب الذي لا يعود، ما أروعها من دروس، والدروس كثيرة لا تُعد ولا تُحصى.

منذ أن ازدادت الأحداث في غزة، حدثتُ نفسي بأشياء كثيرة؛ أولها: كيف لنا أن نُجاهد مثلما يجاهدون في فلسطين؟ وكيف لي أن أكون مجاهدة؟ وأشياء أخرى، فلم أجد سوى أننا لابد علينا أن نُواصل المقاطعة، فهي سلاح قوي فعال، وبأيدينا نحمله أينما ذهبنا؛ فوطننا الحبيب في مقدمة الدول في المقاطعة؛ لذلك نحن معهم وسنكون معهم، ورسالة ذلك الطفل الفلسطيني لأحد الأطباء العُمانيين المجاهدين المتطوعين المتواجدين بغزة لأهل عُمان: "خلي أهل عُمان دائمًا واقفين معنا".. إنَّها كلمات هزت جوارحنا، وأوجعت قلوبنا، فنحن معكم أيها الأبطال، معكم بالدعوات التي تُرافقكم أينما كنتم حتى يأذن الله لكم بالنصر والتأييد، نحن معكم ولم ولن نغفل يوماً عنكم وعن جرحكم.

اللهم إنَّا نسألك أن ترحم أهل غزة من دَنَس الصهاينة المعتدين الغاصبين، اللهم نسألك باسمك الأعظم أن تجعل المسجد الأقصى في حفظك فلا يدنسه غاصب ولا يعتدي حرمته ظالم يا جبار، ونسألك باسمك القهار أن تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.

تعليق عبر الفيس بوك