الصبر ضياء

 

حمد الحضرمي **

 

الصبر مقام من أرفع مقامات الدين، وخُلق من أعظم أخلاق المؤمنين، ومنزلة من أجل منازل الصالحين، وشعبة من أبرز شُعب الإيمان، والصبر من أجمل الصفات، وهو مفتاح الفرج لكل شيء، وملاذ المسلم عند الابتلاءات، والصبر عظيم عند الشدائد، وجميل عند الفرج. والطريق إلى العلا والمجد محفوفٍ بالصعاب، ولا سبيل إلى اجتيازها إلا بالصبر، ولا يقدر عليها إلا الصابرون.

والصبر من أجمل وأبرز الصفات وأطيب الأخلاق التي تتميز بكبر وارتفاع أجرها، إذ أن الله تعالى جعل أجر الصابرين أجرًا عظيمًا عنده وقد ذكره سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في عدة مواضع ومنها قوله جل وعلا "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" (الزمر: 10) وهذا يدل على أن قيمة ومعنى الصبر عظيمة وما يحققه ويتركه من أثر في في نفس الإنسان، ويعتبر الإنسان الذي يصبر ويتحمل الكثير من الأمور في حياته ذو مكانة مرتفعة وكذلك قدره عظيم عند الله سبحانه وتعالى، وذلك بشرط أن يكون صبره موجهًا وخالصًا لوجه الله، وأنه احتسابًا للحصول على الأجر والثواب.

والصبر واحدة من أهم علامات الإيمان، والاقتراب من الله عز وجل، وأن تصبر على الابتلاء هو أول الطريق لحل المشكلة والمصيبة التي لم الابتلاء بها، ودائمًا يكون الصبر هو الحل لجميع المشاكل، ويكون متبوعاً بحلول من الله عز وجل في الفرج القريب. وفي الدنيا لا تتحقق الآمال، ولا تنجح المقاصد، ولا يؤتي العمل ثماره، ولا ينتصر الحق، إلا بالصبر.

وقد تكون المصائب والشدائد التي يتعرض لها الإنسان في حياته قوية، وتسبب له مشاكل كثيرة وتأثير في حياته وصعوبات وتوتر وقلق والكثير من الأمور التي قد يكون الإنسان عاجز عن تحملها، ولكن مع الصبر والإيمان والثقة بالله والدعاء المستمر وتصفية النية لله عز وجل فكل هذه الأمور سوف تمر وتنتهي، فالحزن له نهاية مهما طال الوقت، ولكن على الإنسان أن يصبر ويتمسك بإيمانه، لكي يتجاوز همومه وأحزانه، والصبر على المصائب إنما هو من ثمرات الإيمان الصادق. ولا ينتصر دين، ولا تنهض أمة إلا بالصبر، فالصبر ضرورة دنيوية، كما هو ضرورة دينية، فلا نجاح في الدنيا ولا فلاح في الآخرة إلا بالصبر، والصبر في نظر ابن القيم: "واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له".

والصبر يعتمد على حقيقتين، الحقيقة الأولى تتعلق بطبيعة الحياة الدنيا، فإن الله جعلها دار امتحان، والفترة التي يقضيها الإنسان بها فترة تجارب متصلة الحلقات يخرج من امتحان ليدخل في امتحان آخر ... وما دامت الحياة امتحانًا فنكرس جهودنا للنجاح فيه بالإيمان والصبر لنفوز بخير الدنيا والآخرة، وأما الحقيقة الثانية فتتعلق بالإيمان، الذي لابد أن تخضع صلته للابتلاء الذي يمحصها، فإما كشف عن طيبها، وإما كشف عن زيفها.

وتتسع دائرة الصبر وذلك لتشمل الكثير من الأمور، فأحيانًا يكون على هيئة الابتلاء كأن يصاب الشخص بالفقر أو المرض أو ليمتحن بموت أحد أقربائه، وأحيانًا يكون على الشدائد والمصائب والصبر على التعب والهم والحزن وعلى أداء العبادات وغير ذلك من الأشياء التي ترهق النفس وتتعبها، وكلما كان الإنسان ذو مستوى عالي في صبره، كلما لاقى وحصل على جزاء أفضل واقدس مكانة وأعلى في منازل الجنة.

 كما إنه يوجد الكثير من الأمثلة على صفة الصبر ولعل أشهرها صبر سيدنا أيوب عليه السلام الذي يضرب به المثل ويحتذى به لشدة ما أصابه من الابتلاء، وصبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصبر باقي الأنبياء على ما لاقوه من التعذيب من قبل أقوامهم، وصبر الصحابة والتابعين والسلف الصالح، ومن نماذج الصابربن في وقتنا الحاضر صبر أهلنا في غزة وفلسطين الذين تعرض رجالهم ونسائهم وشيوخهم وأبنائهم وأطفالهم للقتل والتعذيب والتهجير، وقد ظل ما بقى منهم أحياء صابرين محتسبين، أنه الصبر في أسمى وأقوى معانيه، وكذلك صبر أهلنا في نيابة سمد الشأن على وفاة أبنائهم الطلبة العشر الذين غرقوا وهم في عمر الزهور، فوجدنا أسرهم عند العزاء صابرين محتسبين يرددون " إنا لله وإنا إليه راجعون "، رغم إن ألم الفراق مرير ووداعهم حزين، ولكن نحسبهم من الشهداء وبإذن الله في الجنة مع الخالدين، إن هذه صور مثالية للصبر تشكل دروسًا وعبر فريدة تلقي بظلالها على الآخرين.

ولا بُد أن يحرص الإنسان أن يضع أمام عينيه أن الله هو خير معين له وهو الوحيد القادر على مساعدته والخروج من الشدة إلى الفرج ومن الكرب إلى اليسر، وأن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده لا يبتلى المسلم إلا وهو مدرك أنه قادر على الخروج من هذه المشكلة أو الظروف الصعبة، وهذه الأمور جميعها ما هي إلا اختبار من الله عز وجل يختبر قوة صبر وتحمل العبد ويزيد من قوة إيمانه.

ورسالتي إلى الشباب.. إذا كنتم من الحريصين على النجاح والتقدم في الحياة وتحقيق أعلى الطموحات والنجاحات والوصول إلى أعلى الدرجات لابد أن تتمتعوا بقدر كبير من الصبر المتبوع بالتفاؤل، فهذه الصفات من الضرورة أن يمتلكها الإنسان، فالصبر هو ما يجعلك قادر على الابتكار والإبداع للوصول إلى الغاية التي تسعى إليها، والتفاؤل يجعلك على قدر كبير من اليقين بالله عز وجل، وإنك سوف تصل في يوم من الأيام إلى هدفك المنشود مهما مر الزمان ومهما صادفتك المشاكل والصعوبات، فبالصبر والإرادة وقوة الإيمان والثقة بالله والتفاؤل سترتقي وتحقق كل ما ترجوه وتتمناه في حياتك.

** محامٍ ومستشار قانوني