عُمان والإمارات.. الأخوة المتجذرة

 

حمود بن علي الطوقي

 

منذ صدور بيان ديوان البلاط السلطاني حول زيارة الدولة التي سيقوم بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، يلتقي خلالها أخيه صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والاتصالات التي تأتينا من الأشقاء من أبوظبي ودبي لم تتوقف؛ وذلك للمشاركة في مقالات وأحاديث عن أهمية هذه الزيارة التاريخية.

وقد ذكر بيان ديوان البلاط السلطاني أنها "زيارة دولة" تهدف إلى بحث كل ما من شأنه الارتقاء بأوجه التعاون القائمة بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات. وكإعلام محلي نُراقب عن كثب هذه الزيارة المهمة لصاحب الجلالة سلطان البلاد المفدى التي ستترجم على أرض الواقع في عمق العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وتمثل محطة بارزة في المسار التاريخي للعلاقات الثنائية بين البلدين التي ارتقت إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية على مختلف الأصعدة؛ خاصة في المجالات الاستثمارية والتجارية؛ إذ توضّح الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في السلطنة أن هناك نموا في العلاقات الاستثمارية بين البلدين. وتشير الأرقام إلى أن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة بنهاية عام 2023 بلغ نحو 5.5 مليار ريال عُماني. وتشير التقارير الرسمية إلى أن قيمة المنتجات العُمانية المصدرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بنهاية العام الماضي تقترب من 300 مليون ريال عُماني تتمثل في منتجات معدنية ومنتجات الصناعات الكيماوية والصناعات المرتبطة بها وغيرها من المنتجات والسلع الأخرى، في حين بلغت قيمة المنتجات المستوردة من دولة الإمارات إلى سلطنة عُمان نحو 837.7 مليون ريال عُماني وتتمثل في الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وغيرها من المنتجات.

وبيّنت الإحصاءات أن دولة الإمارات العربية المتحدة تصدرت الدول المستقطبة للاستثمارات العُمانية المباشرة بالخارج بما قيمته نحو 960 مليون ريال عُماني حتى نهاية عام 2022م، فيما بلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية المباشرة في سلطنة عُمان حتى نهاية العام الماضي نحو 958.6 مليون ريال عُماني.

وتشكّل سلطنة عُمان أحد أهم الأسواق للتجارة الإماراتية؛ إذ تأتي في المرتبة الثالثة عربيًّا والعاشرة عالميًّا ضمن قائمة الشركاء التجاريين للإمارات وتستحوذ على 20 بالمائة من إجمالي تجارة الإمارات، نظرًا لسهولة نقل البضائع وانسيابية انتقال المنتجات الوطنية وحريتها بين البلدين عبر المنافذ البرية.

ونستحضر هنا الزيارة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى سلطنة عُمان في سبتمبر 2022؛ حيث شكَّلت علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين؛ إذ تمخض عن تلك الزيارة التوقيع على نحو 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم للتعاون المشترك في المجالات العلمية والاقتصادية، والسياسية، واللوجستية والأمنية، والثقافية، وغيرها من المجالات.

ولعل هذه الزيارة التي يقوم بها عاهل البلاد المفدى- يرافقه وفد رفيع المستوى إلى أبوظبي- ستناقش تفعيل الاتفاقيات والمذكرات التي تم التوقيع عليها في مسقط لتكون قابلة للتنفيذ بما يعود بالنفع على مستوى البلدين الشقيقين.

الأنظار تتجه إلى أبوظبي؛ حيث يحل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ضيفًا كبيرًا وعزيزًا على الأشقاء بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهذه الزيارة رفيعة المستوى ستعمل على ترسيخ وتمكين تلك العلاقات الضاربة في أعماق التاريخ وقد وصفها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات بالأخوة المتجذرة وأنها علاقات ممتدة لا تزيدها الأيام إلا رسوخًا وقوةً ومحبةً.

هذه الحقيقة الصادقة التي يحملها سمو الشيخ محمد بن زايد، ولا شك أنها تقابلها حقيقة المحبة والأخوة التي يُكنها الشعب العُماني لدولة الإمارات العربية المتحدة حكومةً وشعبًا.

العُمانيون والإماراتيون هم جسد واحد، دم يجري في وريد واحد، وصدق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عندما جسّد خصوصية العلاقات الإماراتية العُمانية وعمقها التاريخي، حين قال: "عُمان منَّا ونحن منهم، إخوتنا وأشقاؤنا وعضدنا".

هذا الشعور المتبادل يحمله أيضًا العُمانيون تجاه إخوتهم وأشقائهم في الجارة الشقيقة الإمارات.

عُمان والإمارات تجنيان ثمار هذه العلاقات المتجزرة برؤية مستقبلية عميقة، من شأنها أن تساهم في دعم المزيد من التقارب بين البلدين الشقيقين، وسوف تكون الرؤية المستقبلية بعد هذه الزيارة التاريخية لجلالة السلطان، مختلفة، وسوف تخدم مصالح البلدين على مختلف الأصعدة وتساهم في تعميق التعاون والتنسيق المشترك في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والتنموية، ودفعها إلى الأمام بما يُلبي تطلعات البلدين ويُحقق أهدافهما إلى التنمية المستدامة.

كما إن هذه الزيارة تعيد للأذهان الزيارة التاريخية لمؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- طيب الله ثراه- إلى سلطنة عُمان في عام 1991 والتي ظلت راسخة في وجدان العُمانيين؛ حيث شكلت وقتها منعطفًا مهمًا في مسيرة التعاون بين البلدين، وعلى أثرها تشكلت لجنة عليا مشتركة بين البلدين، وما زالت هذه اللجنة قائمة تؤدي عملها، ويتطلع الشعبان لتفعيل المزيد من أعمال هذه اللجنة واللجان الأخرى والاتفاقيات الموقعة بين البلدين، خاصة الاتفاقيات التي تعزز التكامل الاقتصادي.

‫وأجزم- كمتابع- أنَّ أعمال اللجنة العليا المشتركة بين سلطنة عُمان والإمارات ستنتعش خلال المرحلة المقبلة، كما سنشهد تطورًا ملحوظًا في دعم العلاقات الاقتصادية في مجالات: الخدمات الجوية، والنقل البري الدولي للركاب والبضائع، والاتفاقية الثنائية للربط الكهربائي، والتجارة غير النفطية.

‫نسأل الله أن يُوفِّق القيادتين الحكيمتين فيما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.