الأسرة الأكثر سعادة

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

عندما يُريد الإنسان صناعة الأسرة الأكثر سعادة في المجتمع، لا بُد أن يعلم أنَّ صناعة تلك الأسرة تحتاج إلى الكثير من المقومات التي لابد من السعي من أجلها وتوفيرها، وذلك بتهيئة الظروف المناسبة التي تمكنه أن يكون قادراً على مواكبة الحياة بشكل أفضل، من أجل صناعة أسرية ناجحة.

ومن تلك المقومات الرائعة التي لابد أن يسعى الإنسان لتحقيقها من أجل صناعة الأسرة السعيدة والبيت المثالي الأسعد في المجتمع، هو أن يؤمن الإنسان إيماناً راسخًا قبل كل شيء بأنه قادر على المشاركة الفاعلة في صناعة الأسرة الأفضل سعادة، ومن أجل تحقيق ذلك الإنجاز الأسري لابد من تحقيق الآتي:

أولًا: التواصل الجيِّد بين الزوجين: وذلك لا يكون إلا من خلال الحوار الهادئ والجاد الذي يُبنى على اللغة الواضحة، والصوت المُعتدل، والاحترام المتبادل، والتقدير والإجلال بين الزوجين، وتقبل الرأي والرأي الآخر، وتحديد الهدف وتجنب الجدال والنقاشات العقيمة، واجتناب لغة التهديد والإنذار، وترك العناد والتعصب للرأي، ونسيان الماضي السيئ وعدم التركيز عليه، والعمل الجاد على بناء المستقبل المشرق، وذلك لا يكون إلا بالسيطرة على المشاعر النفسية أثناء الحوار، وترك الانفعالات التي لا داعي لها، واستبدالها بالابتسامات والشعور بالراحة والاستقرار النفسي ما أمكن.

وقد أكدت إحدى الدراسات الغربية والتي أجريت في أكثر من 28 دولة على الأقل أن الحوار السيئ بين الأزواج هو من أهم العوامل السيئة التي تساعد على انعدام الاستقرار والاطمئنان والأمان في الحياة الزوجية، كما ذكر عن تلك الدول وهو ما تطرقت له نشرة التنمية النفسية في عددها الثاني.

ثانيًا: المعاملة الحسنة: حيث قال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم: "أَفْضَلُكُمْ إِيمَانًا أَحْسَنُكُمْ أَخْلاَقًا"، والمعاملة الحسنة هي إحدى الطرق المتميزة في تعزيز الحياة الزوجية، والتي من خلالها يستطيع الزوجان الشراكة الحقيقية في صناعة الأسرة السعيدة والمتماسكة والمتحدة والبعيدة عن الانفعالات التي لا داعي لها في الحياة الزوجية، وهذا ما أشارت له البحوث المتعلقة بالزواج والتي تقول بأنَّ الأساليب المبنية على المودة والرحمة والاحترام المتبادل ومراعاة الآخر تعتبر من أهم العوامل التي تعمل على تقوية العلاقات الزوجية بين الزوجين؛ بل وتزيد من فرص التوافق والرضا بين الأزواج، على عكس التعامل الذي يكون مبنيًا على العنف والقسوة والإهمال وعدم الاحترام.

ثالثًا: الإيمان بالحب المتبادل بين الزوجين: وهو ما أوصى به ديننا الحنيف، وحثت عليه قيمنا ومبادئنا الاجتماعية من أجل تأسيس زواج أكثر سعادة ونجاحا في المجتمع، وذلك بترسيخ مبدأ الحب بين الزوجين، من خلال إتقان المهام والمسؤوليات الأسرية التي تقرب الزوجين من بعضهما البعض بشكل أفضل، كالاستمتاع بالعلاقة الحميمية والانسجام العاطفي المستمر وتطوير العلاقة الزوجية، وكسر الروتين الممل وذلك من خلال خلق الفرص السعيدة التي تزيد نسبة الحب بين الزوجين كتبادل الهدايا وغيرها.

رابعًا: الحياة الإيجابية: ومن أجل صناعة الأسرة السعيدة لابد من التركيز جيدا على الإيجابيات، وإهمال السلبيات بتفاصيلها وأنواعها، والنظر دائمًا إلى الأمام وترك النظر تحت الأقدام، خصوصًا في أوقات الأزمات التي تمر بالحياة الزوجية، والعمل الجاد على خلق التفاؤل والثقة بالنفس وحسن الظن بالله تعالى، وذلك من أجل التغلب والفوز على التحديات والصعوبات التي تواجه الزوجين في الحياة الزوجية، فقد جاء عن الإمام علي بن موسى الرضا وهو حفيد الرسالة أنه قال: "أَحْسِنْ‏ بِاللَّهِ‏ الظَّنَ،‏ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي، إِنْ خَيْرٌ فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرٌّ فَشَر" [عيون أخبار الرضا: ج2، ص20].

خامسًا: ممارسة الضحك المعتدل بين الزوجين: مما يعني الانسجام بينهما في الحياة الزوجية، وذلك من خلال تبادل الضحكات والابتسامات الدائمة التي تقرب المسافات العاطفية بينهما، وهناك دراسات وأبحاث علمية تقول إن الضحك يُحسِّن مزاج الإنسان ويعزز جهاز المناعة وصحة القلب. وهناك دول تسعى لبناء نوادٍ متخصصة لإسعاد الناس في هذا الجانب، وعلى سبيل المثال فإن الدولة الألمانية وحدها فيها أكثر من 50 ناديًا ليوغا الضحك، ويتجاوز عدد تلك النوادي في العالم أكثر من ثلاثة آلاف نادٍ تقريبا، وذلك بهدف تخفيف الضغوطات والتوترات التي يمر بها الإنسان في الحياة اليومية، وهو من الموارد الضرورية التي يحتاجها البيت السعيد في عالم الأسرة وصناعتها، وذلك لترطيب الحياة الزوجية بالأنس والفكاهة وإبعادها عن المنغصات والمكدرات التي عادة ما تكون سببا لإثارة الكثير من المشاكل الأسرية في الحياة الزوجية، لذا عندما تحدث القرآن الكريم عن الأسرة أكد على أهمية السكن فقال تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا" (الروم: 21)، وقال: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" (الأعراف: 189). إذن لا بُد من صناعة ذلك السكن الأسري اللائق بالإنسان وإنسانيته بالشكل المطلوب الذي يُرضي الله تعالى.