الجولات الميدانية لمحافظ ظفار

 

عماد الشنفري

ليس بالأمر السهل أن تقضي أيامًا في الصحراء والبادية تتجول من ولاية لأخرى لتتفقد أحوال الناس وتستمع إلى الجميع، قد يرى المشاهد على شاشة التلفاز أن العملية لا تتعدى كونها جولة أشبه بالسياحية بين أرجاء الوطن، ولكن الحقيقة أنها عملية مرهقة وشاقة؛ حيث تظل تنتقل من ولاية لأخرى، ومن قرية إلى قرية، ومن مشروع إلى آخر، وتلتقي بالشيوخ والشباب والنساء، وتناقش الجميع، وتحاور، وهكذا يكون يومك من السابعة صباحًا إلى العاشرة ليلًا.

صورة داخل المقال للموقع.jpeg
 

لا تتوقف إلّا للصلاة وتناول وجبة الغداء تقف تحت الشمس بالساعات وأنت تعاين المشاريع وتسأل عن تفاصيلها الدقيقة في أجواء أحيانًا ماطرة وأحيانًا مغبّرة من ثمريت، وبعدها بأيام إلى ولاية شليم وجزر الحلانيات، ومن ثم الشويمية، ثم ولاية مقشن، تظل تجوب المناطق عدة ليالٍ دون توقف. هذا بلا شك عمل مرهق وشاق وليس ترفيهًا أو متعة. وهكذا كانت الزيارات الميدانية لصاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار. وكوني عضوًا بالمجلس البلدي لمحافظة ظفار ورئيس اللجنة الصحية والبيئية، فقد رافقت سموه ضمن الوفد المرافق له من مسؤولين وعسكريين ورؤساء الوحدات الخدمية بالمحافظة، وسعادة الدكتور أحمد الغساني رئيس بلدية ظفار، ومدراء العموم. وكان الوفد يضم كل مسؤول بالمحافظة، ولم يكن وجودهم للاستعراض؛ بل كان صاحب السمو يستمع للمواطنين، وعندما تتعلق المطالبات بالخدمات يوجه السؤال مباشرةً للمسؤول عن المؤسسة الخدمية بالمحافظة؛ ليرد، وعندما كانت هناك شكوى، فإنه يطلب الإجابة من المسؤول مباشرة.

لقد كانت لقاءات صاحب السمو محافظ ظفار، بمثابة برلمان مفتوح دون محاذير، ومما أثار إعجابي أنه قدّم لقاءات الشباب أولًا ليستمع إليهم والى أفكارهم وتطلعاتهم، ومن ثم يجتمع بآبائهم من الشيوخ حتى ينقل إليهم أفكار أبنائهم. وفي ظل النهضة المتجددة وصلت الخدمات من طرق ومراكز صحية ومدارس الي مختلف أرجاء الوطن، وإن كانت ذات كثافة سكانية محدودة. ولعل أبرز ما تم طرحه بهذه اللقاءات كانت تتعلق بالباحثين عن عمل، ورغم أن الإعداد ليست بتلك الأعداد الصعب حلها، إلّا أن عدم وجود كثير من القطاعات التصنيعية والخدمية بتلك الولايات يجعل العدد كبير مقارنة بسكان كل ولاية أو نيابة. ومن المهم إيجاد حلول لهولاء الباحثين عن  عمل في مناطق سكانهم لأسباب كثيرة؛ منها: أن توفير سبل العيش بها يشجع أبناءها على البقاء بالولاية حتى لا يرتحلون إلى المدن، كما إن الحياة تعمر بشبابها، ونزوح الشباب إلى المدن الكبيرة يجعل من تلك الولايات الصحراوية قرى خاوية على عروشها لا تدب فيها الحياة، ولعلنا نحتاج إلى بعض المُغريات التي ربما نُفكِّر بها بصوت عالٍ لنُشجِّع أبناءها على البقاء بتلك القرى، مثل الإعفاء من رسوم الخدمات كالكهرباء أو المياه، أو دعم تلك الخدمات بالمناطق الصحراوية، كما إن الشركات الكبرى العاملة بهذه الصحراء؛ سواء كانت نفطية أو معدنية أو زراعية، عليها أن تتحمل هذه المسؤولية وان تبادر إلى توظيف هؤلاء الشباب.

وعندما نرى مساحة عمان الشاسعة وتنوع جغرافيتها، نُفكِّر لماذا لم تُستغل هذه المناطق وما الذي يمنع أن يتحول شاطئ الشويمية إلى مدينة سياحية كبرى على هذه الرمال؟ وما الذي يمنع أن يكون لدينا ميناء اقتصادي أيضا في شربثات أو الشويمية ونستغل الميزة التي وهبها الله لعمان من شواطئ تمتد لآلاف الكيلومترات؟ وما الذي يمنع أن تكون هناك مدينة اقتصادية زراعية كبرى في ثمريت لتكون سلة الخليج الغذائية؟ ما الذي يمنع أن نقيم مدينة ترفيهية سياحية أو منتجعًا سياحيًا في مقشن؛ كون خط "صلالة- آدم" يمر بها، ويمكن أن يقيم السائح عدة أيام في المدينة؟!

كثيرة هي الأفكار التي يمكن أن تُنمّي تلك المدن والقرى، لكن يبقى توفير الخدمات بمثابة شريان الحياة لها، وهذا ما كان يستمع له صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد، من شيوخ وشباب تلك الولايات. وما زال مشهد ذلك الرجل المسن عندما قاطع حديث سموه، وهو على خشبة المسرح ليعطيه رسالة مطالب شخصية، فمنعه الحرس، لكن سموه وقف من على كرسيه بالمسرح وطلب من الحرس السماح له، وذهب إليه يأخذ الرسالة، ويسلِّم عليه. كما لا أنسى مشهد المرأة التي استوقفته أمام أحد أبواب مؤسسة حكومية لتشرح له مشكلة تواجها، فلم يتجاوزها؛ بل وقف ليستمع إليها واستدعي الجهة المسؤولة وطلب حل مشكلتها.

ما لم يطلع عليه المتابعون للزيارات، أن هناك قضايا طرحت من المواطنين كان صاحب السمو السيد المحافظ يستدعي المسؤولين المعنيين عنها أثناء استراحته بقاعة صغيرة؛ ليتناقش معهم حول سبل حلها في نفس اليوم. ولم ينتظر حتى يرجع أو يخاطب الجهة؛ بل كان يحاول حلها في وقتها، حتى في أثناء استراحته.

هذه الجولات والزيارات تمثل ترجمة للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بحث المحافظين على الالتقاء بالمواطنين والحوار معهم وتسهيل كل الصعوبات من أجل إيجاد حياة كريمة للمواطن. ورغم أن محافظة ظفار مترامية الأطراف، إلّا أن سموه أخذ على عاتقه أن يطلع بنفسه على كل قرية ومدينة في المحافظة، ويستمع لأبنائها وشيوخها.

وختامًا.. نتوجه بالشكر إلى صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد؛ ونقول إن ظفار محظوظة باختيار جلالة السلطان لسموه، ليكون محافظًا لظفار، يعمل ليل ونهار من أجل الوطن، ولا ينازعني شك أننا سنرى المحافظة خلال السنوات المقبلة قد حققت نقلة نوعية في مختلف المجالات.

تعليق عبر الفيس بوك