حتى تُعيد السكون النفسي لحياتك

 

حمد الحضرمي **

 

الضغوط التي يواجهها الإنسان في حياته تعد ناتج المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية وتسبب له الضيق والقلق والتوتر، والتحديات التي يعيشها الإنسان والطبيعة الإنسانية متأثرة بالعواطف، فمشاعرنا تؤثر في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا أكثر من تأثير التفكير وذلك عندما يتعلق الأمر بمصائرنا وأفعالنا، ويحتاج للتغلب على هذه التحديات والمشكلات قدرات فكرية مع مهارات وجدانية تساعدنا في تنمية الجوانب الاجتماعية وتحقيق النجاح في الحياة العملية والاجتماعية والذاتية والتغلب على كل المشكلات التي تواجهنا في حياتنا.

ومن النَّاس من لديه نضج عاطفي وانفعالي وله القدرة على التكيف مع أفراد المجتمع، ومنهم من لديه القدرة على التعامل مع العواطف والانفعالات الإيجابية والسلبية، ولديه القدرة على التحكم بها وإدارتها لتكون حافزا ودافعا له، ويكون هو متخذ القرار والمتصرف الأول، ومنهم من تحطمه الانفعالات الوجدانية وتتحكم بقراراته وتصرفاته، فالذكاء الوجداني هو المفتاح الجديد للنجاح. إن القدرة على السيطرة على العواطف والانفعالات هي أساس الإرادة وأساس الشخصية الناجحة، وإدارة الوجدان هي تحد وحاجة ملحة بنفس الوقت، فهناك أشخاص يتمتعون بمستوى ذكاء مرتفع ولكن لا يستطيعون تسيير حياتهم الوجدانية بشكل جيد، فقد يفشل الشخص المميز من حيث الذكاء في حياته نتيجة عدم سيطرته على انفعالاته ودوافعه الجامحة، والأفراد الذين يتحكمون بمشاعرهم وعواطفهم بصورة دقيقة يتعاملون مع الموضوعات الانفعالية بصورة أفضل.

وعلينا الوعي بالذات وذلك بفهم المشاعر ودقة تقييم الذات بكفاءة الوعي الوجداني، والذي يعكس أهمية التعرف على مشاعر الفرد وتأثيرها على أدائه ويساعد هذا على معالجة ردود الأفعال الانفعالية وجعلها مناسبة للموقف. ويحكى أن رجلا محاربا أراد أن يتحدى أحد العلماء ليشرح له مفهوم الجنة والنار، لكن الحكيم أجابه بنبرة احتقار: أنت تافه ومغفل، أنا لا أضيع وقتي مع أمثالك ..!، لقد أهان الحكيم الرجل المحارب، الذي اندفع في موجة من الغضب، فسحب سيفه وهو يقول: سأقتلك لوقاحتك، أجابه الحكيم في هدوء، هذا تمامًا هو الجحيم، هدأ الرجل من موجة الغضب التي سيطرت عليه، فأعاد السيف وشكر الحكيم، فقال له الحكيم: وهذه هي الجنة. هكذا كانت يقظة الوعي وإدراك لحالة التوتر التي تمتلك الفرد وتنجرف بعيدا عن التعقل والوعي الذاتي، ولذلك نفقد أشياء ثمينة في حياتنا لعدم تعقلنا ووعينا بذواتنا أثناء الانفعالات العنيفة.

وذات مرة تعثر أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز برجل في المسجد فصاح به: "أعمى أنت؟" فرد عليه: لا لست أعمى، قال الحاجب: يا أمير المؤمنين لقد سبك، فقال عمر: سألني فأجبت. وقد شتم رجل أحد الصالحين، فالتفت الصالح إلى الرجل وقال له: هي صحيفتك فاملأها بما شئت. فكفاءة التقييم الدقيق للذات هو مفتاح لإدارك جوانب القوة والضعف، فالدقة في تقييم الذات تجعل الفرد مدركًا لقدراته وحدودها وتعطيه تغذية راجعة توضح له أخطاءه.

إن إدارة الذات وهي كفاءة ضبط النفس(إدارة الانفعال) والذي يظهر في المواقف المؤلمة أو المجهدة أو مواقف التعامل العدائي مع شخص آخر، فهي مهارة يجب توافرها في الأفراد الذين يجب أن يستجيبوا بهدوء للاندفاعات الغاضبة والعنيفة، مثل الزوجة حينما تجد هيجان من زوجها فهنا يكون ضبط النفس في المواقف المؤلمة. والوعي الاجتماعي يتمثل في القراءة الدقيقة للأفراد والمجموعات بدقة ويظهر في التعاطف التي تمنح الناس الوعي بمشاعر الآخرين واهتماماتهم واحتياجاتهم، والفرد ذو الكفاءة العاطفية يمكنه قراءة الأحوال الانفعالية للذين يتعامل معهم بمفاتيح غير لفظية - كنغمة الصوت أو تعبير الوجه - ويحتاج التعاطف إلى الوعي الذاتي والفهم لمشاعر واهتمامات الآخرين ويعتبر الوعي بمشاعرنا والإحساس بالآخرين أمر هام لأداء الوظائف بشكل أفضل عندما يكون التركيز على التفاعل مع الناس كالأطباء والمعلمون الذين هم أفضل في التعرف على المشاعر لدى المرضى والطلبة.

ومن حكايات التعاطف في العلاقات الحميمة، يحكى أن امرأة كبيرة في خريف العمر أدخلت دار المسنين، وكان زوجها البالغ من العمر 80 سنة يأتي كل يوم ويفطر معها، وعندما سأله رجل عن سبب دخولها لدار المسنين، قال: إنها مصابة بمرض الزهايمر (ضعف الذاكرة) أي أنها لا تعرف أحدًا، وسأله الرجل: هل ستقلق زوجتك لو تأخرت عن الميعاد قليلًا، فرد عليه: إنها لم تعد تعرف من أنا، فقال الرجل: وما زلت تذهب لتناول الإفطار معها كل صباح على الرغم من أنها لا تعرف من أنت، ابتسم الزوج وهو يضغط على يد الرجل السائل وقال: هي لا تعرف من أنا ولكني أعرف من هي. يقول الله تعالى "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة:237).

نصحيتي هنا أن نبتعد قدر الإمكان عن الهموم العاطفية والانفعالية والصراعات والصدمات الحارقة التي تصدر منا أو تواجهنا في فترات متقاربة، لأنها تكدر لذة الحياة، ولا تقف على ذلك بل تختزن في عقولنا وتتراكم ومع الأيام تسمم الجسد والحياة، وتسبب لنا الأمراض العضوية كالسكر والانتكاسات القلبية والأمراض النفسية كالاكتئاب، فنحن بحاجة لمساندة وجدانية للتغلب على تلك الثورات الداخلية والخارجية التي تواجهنا، حتى نستطيع أن نعيش في منطقة أمن وأمان وسلام.

ولو استخدم كل شخص منّا هذه المهارات من الذكاء الوجداني فإننا لن نفقد متعة الحياة السعيدة، فعلينا تحرير مشاعرنا وأحاسيسنا من سطوة الكبت الانفعالي والأمية العاطفية التي لوثت أعماقنا لأنَّ الحياة تتدفق بالعاطفة، ولدينا القدرة على فهم ذاتنا وإدارة وجداننا والتأثير والتعامل مع الآخرين، وبهذه المهارات نستطيع أن نعيد السّكون النفسي لحياتنا العاطفية، ونعيش في حياة طبيعية كلها سعادة وسرور وود ووئام في البيت وفي العمل وفي كل مكان نتواجد فيه.

** محامٍ ومستشار قانوني