ابن علوي.. الرجل المُتعب في السياسة الدولية

 

حمد الناصري

اتسمت العلاقات الخارجية العُمانية بجيرانها في الجزيرة العربية بأنها علاقة مُتجذرة ليس حديثًا وحسب، وإنّما مُنذ مئات السنين، فهي علاقة مُتجذرة تحمل أبعادًا تاريخية عميقة تقوم علي وحدة الجوار والأصل واللغة والمصير، وتقوم كذلك على مبادئ الأخوّة ووحدة التقاليد الموروثة والمبنية على الاحترام المُتبادل في ظلّ القيم الدينية والعربية الأصيلة، وبما تحمله من روابط تاريخية عميقة ونهضة حديثة مُتجددة تشاركت فيها مع جاراتها من الدول العربية عامة ودول الخليج خاصة.

وقد ساهمت سلطنة عُمان بدور كبير ومحوري في النهوض بمجلس التعاون الخليجي نحو تقدّمه والارتقاء به وتوسيع مهامه وصلاحياته لتوثيق الروابط التاريخية بشكل أكثر عُمقًا للوصول للأهداف التي أنشأت من أجله بما يصُبّ في النهاية في صالح المواطن الخليجي على كافة المُستويات. وفي إشارة للعلاقات العُمانية القطرية، ذكر الدكتور عبدالله القويز، الذي شغل منصب الأمين العام المُساعد للشؤون الاقتصادية بأمانة مجلس التعاون الخليجي سابقًا، أنّ يوسف بن علوي عبدالله وزير الشؤون الخارجية السابق في سلطنة عُمان، أنه "عطّل الدور الخليجي في المنطقة ولم يكن يُريد لمجلس التعاون أن يتقدّم لأنه يخشى من هيمنة المملكة العربية السعودية"، مضيفًا أن بن علوي "كان له دور مُتناغم مع رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم" (آنذاك)، في إشارة مُبطّنة إلى الأزمة القطرية التي اندلعت عام 2017.

وقال الإعلامي عبدالله المديفر في سؤاله عمّا يتعلّق بمواقف الوزير يوسف بن علوي، فردّ القويز، قائلًا: "الرجل له مواقف ضدّ المملكة وبينه وبين حمد بن جاسم تناغم كبير، وهو (أيّ يوسف بن علوي) أذكى بكثير من حمد بن جاسم ويبدو أنّ له علاقة فيما حدث في 2017".

في المقابل، هاجم عُمانيون تصريحات عبدالله القويز، واعتبروها تغريدات باهتة وليست مجرد تصريحات من رجل دبلوماسي كان مسؤول سابقًا؛ فالتصريح بمثابة فلتة ونظرة فوقيّة وأسلوب ينم عن تصريحات مُستخفّة وأسلوب غير رصين، ولسان حاد، يُناكف السلطنة في ضيق مُزعج وغضب أقحمه إلى هُجومه المُباشر بأسلوب خطاب إعلامي مُمنهج وبتصريحات سياسية لا أمانة فيها ولا مسؤولية، وإنّما تهدف لتحقيق مآرب أخرى، كإحداث ضجّة إعلامية وزوبعات مُتتالية ومُناكفات لا سبيل لها غير تمزيق سُبل روابطنا الخليجية.

تصريحات القويز تحمل في جُعبتها نزع فرداني، مثقوبة بمعاناتها وتعصّباتها المُتطرفة وتصريحات فجّة تُخالف الآخر، وبعنجهية التعامل مع الآخر، أقلّ ما تُوصف إعلاميًا، بأنها مُتحيِّزة وتحطّ من شأن المُتعاملين معها، أو هي بعيدة عن مبدأ الاتّزان والتعقّل، وتصريحات فجّة تنسحب إلى الفوقيّة المُتعصّبة وتنطلق من مبدأ "خالف تُعرف"، وتتعامل مع ما يُخالفها بالمُغالاة والعنجهية المُقيتة ووصمة التطرف في ظلّ غياب الدبلوماسية الموزونة.

عُمان تنأى بنفسها وبشعبها من الوقوع في الانحياز المُريب، وتصطف إلى جانب الحقّ وإلى صواب تحكيم العقل والاعتدال في التعامل، بشفافية وصراحة، ولا تنجرّ إلى مُستنقع خلافات بيّنة وفتن عميقة، وإربتها السياسية تتمثل في التوافق بين الاشقاء، لا تبغي سوى السّعي إلى بُلوغ سداد الرأي وحلّ الخُصومات والخلافات سلميًا، وتنظُر إلى حاجة البشر للأمان والاستقرار ومنهجها الاستقلال بالقرار، والسلام خيرٌ من افتعال الفتن والفوضى، ذلك السعي هو ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.

ولا ريب أنّ مسيرة بن علوي بيضاءٌ نقيّة، أبعدته عن المُراهقات السياسية، التي تفتقر إلى التعمّق في الأمور السياسية، والتي تهتم بالقشور الآيديولوجية ذات الصبغة العنيفة في سيرتها السياسية، وما تلك إلاّ سياسة مُتعدّية، والسلطنة تنأى بنفسها عن الوقوع في اللُعب السياسية وتطويعها لأغراض شخصية، أو تحالفات ثمنها زهق أنفس بريئة بخطيئة ليست طرفًا فيها.. وأيّما سياسة تتشكّل وفق مزاج فكري أو وفق آيديولوجيا باهتة وراؤها معالم غامضة وتغرق في تفاصيل فكرية، فإنها سياسة لا تسهم في جمع الشمل، ولا تنُم عن حصافة البتّة؛ بل ولا يُنتظر منها قيادة آمنة للمنطقة.

ولا يزال الناس يتذكّرون أبياتًا شعرية، قيلت في حقّ الرجل المُتعب، ثعلب الخليج، يوسف بن علوي، كتبها الشاعر سعيد الشامسي، في عام 2016، حين قال:

ويخشى القوم بن علوي

كأنّ الموت يأتيهم

ولو علموا سياستنا

لمدّ الكل أيديهم

ترى الأحقاد تملؤهم

وقبحٌ في معانيهم

ولو كانوا على خيرٍ

لما خابت مساعيهم

ويظهر قائل تلكم الابيات الشعرية مرة أخرى مُحذّرًا من عودة الحسابات الإلكترونية المُسيئة لعُمان ومسؤوليها، في هذه الفترة وتتكاثر بسرعة هائلة، مُلفتًا الانتباه إلى ما يُتداول عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومُشيرًا إلى التصريحات الفجّة، وعودة المنشورات الإلكترونية المُسيئة لعُمان.

وهنا يجب أن نُطمئن الذين لا يعلمون، أنّ عُمان صوت الحكمة، ومُنذ تاريخها العميق انتهجت سياسة حُسن الجوار واليد البيضاء والنفس الأبيّة الشامخة، والتزمت بمبدأ العلاقات المُتّزنة من مُنطلق التعقّل في الأمور والتريّث الحكيم، كما إنها تُعارض بحكمة، ولا تنحاز ولا تنقاد إلى أية مُراهقات سياسية مُعلنة أو مُبطّنة، والأقوى في حكمتها الأسلوبُ المُعتدل، وفلسفتها قاعدة فقهيّة انطلقت من ثوابتها التاريخية على مرّ الحُقب والازمان، ذلك هو التوافق الحكيم وسداد الرأي الحصيف والإصلاح بلا ضرر ولا ضرار.

عُمان تصنع قرارها بحكمة وتعقُّل، لا تتلقّى من أحد أيًّا كان تصنيفه ونوعه، وتتعامل بمبدأ التعايش السّلمي، وتُؤمن بالأفكار النقية، ولا خيانة في تعاملاتها، بعيدة عن مفهوم انجرار "الأطرش في الزفّة".

خلاصة القول.. إنَّ السّيرة الخالدة للتاريخ العُماني محلُّ فخر لنا كعمانيين، فنحن لم نُشارك في قتل البشر ولا في إبادة الناس العُزّل ولا نُدين بدين أحد إلّا دين راسخ في عقيدتنا، والسلام مبدأ التزمنا به وآمنّا به؛ ذلك منذ فجر تاريخنا المُشرق لا يتغيّر ولا يتقلّب وفق الرغبات والاهواء؛ "فالضجيج يُفقد السّمع" كلمة هو قائلها يُوسف بن علوي، كلمة حكيمة، وفلسفة عاقلة رزينة، كلمة سيخلِّدها التاريخ، ويذكرها السّياسيُون، بأنّ الثيمات المُراهِقة والتُرّهات السياسية لا يلتفت إليها العُمانيون، وأنّ الرقم الصعب في السياسة الدولية هو من بقي يُذكر في الأجندات السياسية كمحور مُهم في علاقات الدُول؛ بل هو رمز إصلاح وسلام يطمئن إليه الفُرقاء، وملاذ آمن لاستقرار المنطقة.

تعليق عبر الفيس بوك