الذكاء الاصطناعي السيادي.. على الدول أن تتحرك!

 

 

مؤيد الزعبي *

رغم أنَّنا ما زلنا في بدايات عصر الذكاء الاصطناعي، إلَّا أنه ومنذ البداية نواجه -كدول وعالم بأكمله- نوعًا من الاحتكار والجشع لمصادر وفوائد الذكاء الاصطناعي، وليس فقط احتكار إنما أيضًا نوع من الاستغلال، فهناك دول وشركات تريد احتكار كل شيء في هذا العالم، ومع احتكارها لأنظمة الذكاء الاصطناعي ستُحسن استغلاله واستغلال عوائده وبياناته.

ولك أن تتخيل -عزيزي القارئ- كيف سيكون شكل العالم لو احتكرت دولة معينة أو شركة معينة جميع تطورات الذكاء الاصطناعي حينها ستصبح هذه الدولة هي المهيمنة أو المتحكمة بالعالم بأكمله، وسيصبح حينها السيادة الاقتصادية أو حتى السياسية لأي دولة ضرب من الخيال؛ ولهذا أردتُ من خلال هذه الطرح أن نتحدث قليلًا عن الذكاء الاصطناعي السيادي، ولماذا على دول العالم أن تتحرك سريعًا إن لم يكن لتمكن نفسها من الذكاء الاصطناعي فليكن لتحمي نفسها من مخاطر من سيتحكمون به مستقبلًا.

وخلال الأسبوع الماضي، حَضرتُ أعمال القمة العالمية للحكومات في دبي، وقد تحدث السيد جين-سون هوانغ الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا" (Nvidia) عن الذكاء الاصطناعي السيادي (Sovereign AI)، وطالبَ جميع الدول بالبدء بتطوير الذكاء الاصطناعي الخاص بها. ولعلِّي أجد أنَّ هناك مفارقة حقيقية في هذا الأمر، ففي حين تمنع الولايات المتحدة الأمريكية العديد من الدول والشركات من امتلاك مُعالِجَات شركة إنفيديا، خوفًا من تطوير هذه الدول أنظمة وبرمجيات في الذكاء الاصطناعي، نجد الرئيس التنفيذي للشركة نفسه يُطالب بضرورة تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي سيادية، وهذا الأمر في حد ذاته مفارقة تجعلنا نفهم وندرك حقيقة وخطورة الموقف أو المستقبل الذي نتجه إليه، وقد أخبرتك عزيزي القارئ سابقًا أننا ما زلنا في البدايات، فما الذي سيحدث بعد أن تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته محور حياتنا في جميع المجالات؟

بوجهة نظري أن جميع الدول يجب أن تتخذ موقفًا جادًّا وسريعًا من أجل حماية سيادتها الإلكترونية وليس فقط سيادتها في أنظمة الذكاء الاصطناعي؛ فالعالم يتجه لرقمنة كل شيء من حولنا، ومن الخطر بمكان أن نضع جميع معلوماتنا وبيناتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمالية تحت عين أو تحت تصرف شركات أو كيانات أو حتى دول يكون لها السيطرة على مستقبلنا ونجعلها تتحكم بنا في المستقبل، ولهذا من الواجب بناء بنية أساسية خاصة بالذكاء الاصطناعي لكل دولة، وأقصد هنا السيرفرات التي نُخزن عليها بيناتنا وأنظمة البحث والمراجعة التي ستعالج هذه البيانات وصولًا لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي ستحل في المرحلة المقبلة بديلًا عن الحكومات الرقمية التقليدية.

قد تقول إنَّني أبالغ إذا أخبرتُك أن امتلاك السيادة على أنظمة الذكاء الاصطناعي سيكون أهم من تحقيق السيادة في الكثير من المجالات؛ بما فيها المجالات العسكرية، فخطورة أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي كسلاح ضدك في المستقبل القريب باتت أمرًا حتميًّا لا مفر منه، إلَّا بمواجهته أو الاستعداد له جيدًا، وكل دولة تتخلف عن هذا الأمر، ستُكلِّف نفسها الكثير من الخسائر والمخاطر.

عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي السيادي، فلا أقصد فقط المخاطر، إنما الفرص أيضًا؛ فالفرص التي ستمنحك إياها السيادة في هذا المجال ستكون كثيرة وعديدة، ومهما كان اعتمادنا على شركات أو مؤسسات خارجية، فلن تقدم لنا كافة الفرص بل ستحتكرها في مرة وستمنعها عنا لمرات وستُجبرنا على دفع أثمانها مئات المرات، بينما البدء في تطوير أنظمتنا الخاصة ولو كانت محدودة القدرات سيخلق لنا البديل في حال حدوث أي شيء مستقبلًا؛ سواء انهارت شركات عملاقة في هذا المجال -وهذا أمر وارد- أو وضعنا بموضع الحجب وتمنع منعنا من الوصول لهذه الخدمات لسبب سياسي أو اقتصادي، وهذا ما هو أخطر وأصعب.

أيضًا هناك فرص اقتصادية هائلة سيجلبها لنا الذكاء الاصطناعي، ويجب أن نستثمر ليكون لنا عوائدنا الاقتصادية من هذا المجال، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أنه حسب التوقعات فإن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تعزيز اقتصاد المنطقة بمقدار 320 مليار دولار بحلول العام 2030، وهذا رقم كبير جدًّا وفرصة مهولة لمن يرغب في اقتناصها والاستفادة منها، ولهذا فالذكاء الاصطناعي السيادي سيفتح لنا بوابات من الفرص الاقتصادية التي يجب أن نضعها في الحسبان كدول وحكومات.

نقول دائمًا إنَّ البيانات هي وقود المستقبل؛ فالبيانات ستُبنى عليها أنظمة وتطبيقات معقدة وكبيرة، فلماذا نهدر وقودنا أو نضعه بيد شركات ستبيعه لنا في المستقبل القريب؟ ولهذا يجب أن نُحسن استغلال بياناتنا وأن نوظفها بطريقة جيدة لتكون وقودنا المستقبلي، فليس كل البيانات وقود مستقبلي، إنما البيانات التي نحسن تخزينها وتصنيفها ورقمنتها ونمذجتها، إن صح التعبير.

أُدركُ أنَّ هذا الأمر سيكون صعبًا ومكلفًا للكثير من الدول، وربما لن يكون مُجديًا في بداية الأمر وربما أيضًا تكون نتائجه ضعيفة؛ فالكثير من الدول لن تتمكن من بناء أنظمتها الخاصة للذكاء الاصطناعي بجودة تنافس ما وصلت له كبريات العالمية في هذا المجال، ولكن أن يكون لديك بدائل محلية حتى ولو كانت أقل في الجودة والمستوى، إلا أنها ستكون بديلًا مناسبًا لك كدولة وحكومة، وأيضًا من السيادة ألا نُسلم رقبتنا لشركة أو دولة واحدة، بل نتعامل مع شركات ودول متعددة حتى نضمن استمرارية الخدمة واستمرار وصولنا لها.

* المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط