حاتم الطائي
◄ مدينة السلطان هيثم مشروع عملاق يُسهم في نمو اقتصادنا الوطني
◄ فوائد اقتصادية واجتماعية للمشاريع الكبرى.. والتوظيف في المقدمة
◄ السياسات والتشريعات المُعززة للاستثمار تمثل الركيزة الأساسية للنمو المستقبلي
لم تتوقف جهود حكومتنا الرشيدة من أجل النهوض باقتصادنا الوطني، واستمرت المساعي المتعددة لتحقيق النمو المأمول، وتفادي أي تراجعات اقتصادية، غير أنه تأتي الرياح دائمًا بما لا تشتهي السفن، فبينما نحن نقترب من الوصول إلى معدلات نمو قوية وارتفاع كبير في التوظيف، تُفاجئنا أزمة النفط في 2014، وما لبثت أن خفَّت ثم عاودت في 2017، وبينما كُنا نخرج من مرحلة "عُنق الزجاجة" بحسب وصف أحد كبار المسؤولين في تلك الفترة، إذا بجائحة كورونا تأتينا فتقضي على كثير من الجهود المبذولة.
لكن سرعان ما بدأت الحكومة في تحفيز الاستثمار وتقديم التسهيلات، والأهم من ذلك الكشف عن مشروعات وطنية كبرى أحدثت زخمًا كبيرًا في الاقتصاد، وأولها مدينة السلطان هيثم ومشاريع المُدن المستقبلية المُستدامة، وهي المبادرة الواعدة التي تقودها وزارة الإسكان والتخطيط العمراني. وهذه المشاريع الوطنية الكبرى تعمل حاليًا بمثابة الوقود الذي يُغذي جهود الإنعاش الاقتصادي، من أجل قيادة النمو الاقتصادي للمعدلات المرتفعة السابقة، وما يُعزز الجهود الحرص الحكومي المتواصل على ضبط الميزانية العامة للدولة، وتعظيم الإيرادات، كما ساعد في ذلك استقرار أسعار النفط وعودته لما يُمكن أن نسميه المستويات الآمنة لسعر البرميل؛ حيث زادت الإيرادات العامة للدولة، ومن ثم تحققت الفوائض المالية، مُقارنة بعجوزات مالية في السنوات القليلة الماضية.
والحقيقة أن اقتصادنا الوطني كان في أمس الحاجة لإطلاق مشروع وطني عملاق مثل مدينة السلطان هيثم، بالتوازي مع المشاريع الأخرى في العديد من القطاعات، ولا ننسى أننا قبل أسبوعين تقريبًا شهدنا تدشين مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية، وهي أكبر مشروع خليجي مشترك بتكلفة استثمارية تجاوزت 9 مليارات دولار.
وهناك أبعاد اقتصادية لمشروع مدينة السلطان هيثم والمدن المستقبلية المُستدامة، في مقدمتها الاستثمارات التي تتجاوز مليار ريال تقريبًا وسيجري ضخها في المرحلة الأولى من المشروع، وحركة تشغيل قطاع الإنشاءات والبناء، والذي بدوره يرفد قطاعات أخرى، مثل قطاع الخدمات واللوجستيات والنقل، ومع بدء تشغيل المشروع، سنرى ازدهارًا في قطاع العقارات والقطاع السياحي والقطاع الترفيهي. ولا يجب أن نغفل عن الفوائد الاجتماعية عن هذا المشروع، خاصة وأن هذه المدن لن تكون حكرًا على طبقة بعينها، بل تضم مشروعات للإسكان الفاخر والتملك الحر للأجانب، وهي مشروعات ستحقق عوائد مالية مهمة تساعد في تغطية تكاليف المشروع، إلى جانب مشروعات للإسكان المتوسط والاجتماعي، ومدارس حكومية عصرية ومدرسة دولية ومستشفيات ومراكز صحية وأندية ومشاريع سياحية وترفيهية، وكل ذلك من شأنه أن يخلق زخمًا متزايدًا في الاقتصاد. والمؤشرات تؤكد أنَّ مسقط ومع إنشاء مدينة السلطان هيثم، آخذة في التوسع بدرجة كبيرة، وربما بعد سنوات قليلة سنجد العمران قد امتد في المناطق المتاخمة للمحافظة، خاصة من جهة الشمال، بفضل وجود مساحات واسعة تسمح بالتوسع العمراني، والذي هو بلا شك نهضة عمرانية وإسكانية ستعود بالنفع على جموع المواطنين.
وتتماشى هذه المشاريع الطموحة، مع مُستهدفات الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040"، والتي تضع التنمية الحضرية المستدامة في المقدمة، وتحسين معيشة المواطنين، وتحقيق الرفاهية والاستقرار لجموع المواطنين، وذلك من خلال توفير المسكن الملائم والتعليم عالي الجودة، فضلًا عن الخدمات النوعية المُقدمة للمواطن في شتى القطاعات. واللافت في مثل هذه المشاريع أنها تعود بالنفع على وطننا من أكثر من جانب، فعلاوة على إسهاماتها الكبيرة في تحفيز الاقتصاد ونموه، فهي تساعد في توفير العديد من فرص العمل للشباب، خاصة وأن ملف التوظيف من التحديات التي تعكف حكومتنا على معالجتها باستمرار. إضافة إلى أن هذه المشاريع الاقتصادية الكبرى تُعزز التوجهات الحكومية لبناء نماذج شراكة ناجحة بين القطاعين الحكومي والخاص، من خلال دخول القطاع الخاص في مشاريع مشتركة مع الحكومة، وإدارتها وتنميتها والاستفادة من العوائد المُتحققة على أكثر من مستوى. أيضًا من شأن هكذا مشاريع كبرى أن تجذب المزيد من الاستثمارات، لأنَّ القاعدة الاقتصادية البسيطة تقول "المال يجلب المال"، والمستثمرون عادة ما يتحفزون لضخ رؤوس أموالهم في مشاريع تُديرها الدولة، لأنها بمثابة الضامن الأكبر على نجاح المشاريع، وهذا إيمان مهم بدور الدولة في الاقتصاد، فالدعوة إلى توسيع القطاع الخاص لا تعني بالضرورة خروج الدولة من الاستثمارات؛ بل يكمن دورها في أن تكون "صانع السوق"، أو بالأحرى المُحفِّز للنمو الاقتصادي، من خلال السياسات والتشريعات المُعززة لزيادة الأنشطة الاقتصادية ومن ثم تحقيق المنافع المأمولة، مثل التوظيف وزيادة الإيرادات العامة وغيرها.
هذه هي البيئة المستقبلية التي نُريدها لاقتصادنا، والمستقبل الذي نقصده هو ذلك الذي يبدأ اليوم وليس غدًا، وليس بعد 10 سنوات، لأنَّ قطار التقدم لا ينتظر أحداً، والتراخي في الأداء وبطء تنفيذ السياسات لن يساعدنا في تحقيق ما نصبو إليه؛ بل سيتسبب في مزيد من الإشكاليات، ونحن في غنى عنها، خاصة وأن الدولة بكافة مؤسساتها تسعى جاهدة لتحقيق الأهداف الطموحة، وفوق كل ذلك نفخر بوجود قيادة حكيمة تُسدي التوجيهات التي تضيء لنا جميعًا الطريق نحو المستقبل، وتحفز كل مواطن على البذل والعطاء بلا حدود من أجل هذا الوطن العزيز ومستقبله المشرق.
والوصول إلى المستقبل يبدأ الآن، خاصة مع التأكيدات على أن مدينة السلطان هيثم والمدن المستقبلية المستدامة، ستعتمد بدرجة كبيرة على توظيف الذكاء الاصطناعي، ولقد بدأت حكومتنا الرشيدة بالفعل خطوات في هذا الجانب؛ حيث خصصت وزارة الاقتصاد 10 ملايين ريال عُماني للمبادرة الوطنية للاقتصاد الوطني المُعزز بالذكاء الاصطناعي، ضمن مشاريع تساعد على تسريع تحقيق مُستهدفات القطاعات الأساسية وقطاعات التنويع الاقتصادي في الخطة الخمسية العاشرة، والتي تعد أولى الخطط الخمسية لرؤية "عُمان 2040". وبالتوازي مع هذه الجهود، نقترح التوسع في تخصصات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة، في مؤسسات التعليم العالي، وإنشاء كليات مُتخصصة فقط في الذكاء الاصطناعي، كي يكون خريجونا على أتم الاستعداد لخوض غمار هذا المجال، ومواكبة مُستجدات سوق العمل.
ويبقى القول.. إنَّ التخطيط الجيِّد أساس النجاح، وإن المنظومة الاقتصادية تتألف من دوائر متداخلة ومترابطة، وكل منها يدفع بعضها البعض، ولا يُمكن الحديث عن نمو اقتصادي في ظل تباطؤ قطاعات رئيسية بعينها، واستمرار ما يمكن وصفه بحالة "الجمود" في عدد منها، خاصة تلك المرتبطة بمسألة التمويل والإعفاءات والضرائب وتذليل التحديات، ومتى ما اتخذنا هذه الخطوات والإجراءات المأمولة، نكون قد بدأنا المسار الصاعد نحو النمو الاقتصادي المنشود.