"سيكل"!

 

سالم بن نجيم البادي

 

يحلم الطفل حميد بدراجة صغيرة ويقضي جلَّ وقته فوق سور بيتهم ينظر إلى الأطفال وهم يستعرضون دراجاتهم في الطرقات الترابية في القرية الموغلة في البعد بين الجبال، وقد حاول كثيراً أن يخبر والده برغبته في شراء سيكل مثل أقرانه من أطفال القرية، لكن قسوة والده تمنعه من البوح والحواجز التي بينه وبين والده تتسع، حتى صارت خندقاً يصعب تجاوزه.

عندما كان طفلاً صغيرا كان يطلب أشياء كثيرة من والده ووالده يعرض عنه أو يقوم بتوبيخه وزجره والغضب يتطاير من عينيه، وحميد يذهب منكسرا وخائفا وصامتا وقد عقد يديه خلف ظهره ويعود يستجدي عطف وحنان واهتمام والده "أبوي شلني شلني أبوي" وهو برفع بصره ويديه نحو والده، والوالد يولي مدبرا دون أن ينظر إلى حميد. ويحاول حميد الجلوس في حضن والده لكنه يصده بقسوة "قوم سير لعب مع ربعك"، ويذهب حميد مع أقرانه وقد اعتادوا التنمر عليه والسخرية منه، وحميد حزين وصابر، وكان جسده ضئيلاً ووجه شاحبا وعيناه غائرتين ويرتدي ملابس باهتة وذات ألوان غير متناسقة.

قال حميد لأحد الأولاد في الحارة "عطني أسوق السيكل شوي"، لكن الولد رفض وقام بدفع حميد بقوة حتى وقع على ظهره، وقال له "أنت ما تعرف تسوق.. ليش ما تقول حق أبوك يشتري لك سيكل"، بكى حميد بصمت وانصرف، وقال لأمه وهو يمسح دموعه بيده اليمنى "أمي ضربني ذاك الولد.. تستاهل ما حد قالك تسير معه" "أبوي قال لي".

ويحدث أن يجري حميد حافيًا خلف الأولاد وهم يقودون دراجاتهم بسرعة حتى يحجبهم عنه الغبار المُتطاير، ويعود وأنفاسه تعلو وتنخفض وقلبه الصغير يوشك أن ينفجر من شدة التعب، وحين يرى والده هادئًا في حالات نادرة، يقترب منه بحذر شديد، ويقول له "أبوي متى بتشتري لي سيكل"، ويرد والده ببرود واضح "يوم يضولن الغوازي"، ويعرف حميد أن هذا وعد كاذب، ولكنه لا يفقد الأمل وكلمات والده حاضرة في ذهنه كل الوقت، وتمر الأيام والليالي وهو يُمارس عادة الصعود إلى جدار بيتهم يراقب الأطفال وهم يلعبون ويمرحون ويقودون دراجاتهم بسرعة فائقة، وهو ينتظر أن تتوافر الأموال عند والده، حتى يشتري له سيكل، وحين طال انتظاره أصابه الملل، ولم يعد يصعد فوق سور البيت، وبقي حبيس جدران أخرى كثيرة.