حمد بن سالم العلوي
تأسست محكمة العدل الدولية بصيغتها الحالية عام 1945م، وأصبحت تمثل أحد الأجهزة الـ6 التي تقع خارج نيويورك، ومقرها الدائم في مدينة لاهاي بهولندا (نيذرلاندز)، وتختص في البت في النزاعات التي تحدث بين الدول، وقد استفاد الصهاينة منها نتيجة زعمهم أنهم اضطُهِدوا من ألمانيا النازية بقيادة الزعيم أودلف هتلر، وللمرء الحق أن يتساءل لماذا اختص هتلر اليهود دون غيرهم من الناس بالعقاب؟!
لا شك أنَّه وجد منهم البغي والطغيان، والخبث والخيانة والفساد في الأرض، وفي اعتقادي أن اليهود كانوا هم الأشد إجرامًا في حق شعوب الأرض، فإذا الأنبياء والرسل لم يسلموا من غدرهم وخيانتهم، وهم أكثر البشر جدلًا وخيانة وغدراً عبر التأريخ البعيد والقريب وإلى أن تقوم الساعة، ولقد أرسل الله الكثير من الرسل والأنبياء إلى اليهود، ذلك لكثرة ضلالتهم وليُري الله خلقه أنَّه ليس بظلّام للعبيد، ولكن اليهود هم الظالمون بما عصوا وكذّبوا المرسلين، وعاثوا فسادًا في الأرض، وأنّ فساد اليهود ملازمهم بالفطرة، وليس فسادًا مكتسبًا نتيجة ظلم وقع عليهم، بل كانوا هم الظالمين عبر التاريخ.
إنّ الغرب المنافق حقق هدفين من تهجير اليهود إلى فلسطين، بتخطيط وتنفيذ أم الخبائث (بريطانيا)، وهي لم تحتل بلدًا إلّا وخلفت ورائها فيه مشكلة عصية الحل، فكان الهدف الأول إحتلال فلسطين لتكون خنجرًا في خاصرة العرب، وذلك لمكانة فلسطين التاريخية والدينية، وقد كانت الأكثر عرضة للغزوات الصليبية، ونتيجة لهذا الاحتلال تصبح إسرائيل الحارس الأمين للمصالح الصليبية. أما الهدف الثاني فيكمن في رغبة الغرب في التخلص من الهيمنة اليهودية على اقتصاد دولهم ومرافقها الحيوية، وذلك ظنًا منهم أن شتات اليهود سيجتمع في أرض الميعاد كما يصورون لهم، ومن جانب آخر سيتشاغل اليهود بالحرب ضد العرب، فإنَّ استطاعوا هزيمة العرب، فتحت بلاد العرب أمام اليهود والنصارى، وبذلك يتم القضاء على الدين الإسلامي الحنيف.
محكمة العدل الدولية أصدرت أحكامًا لصالح الكيان الصهيوني في بداية نشأتها، وذلك جاء على إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ حيث زعم اليهود أنهم تعرضوا للظلم وللإبادة، وألزمت هذه المحكمة الكثير من الدول بدفع تعويضات لليهود، وكانت ألمانيا أكبر الدافعين للتعويضات.. وما تزال تدفع، واليوم وبناءً على شكوى تقدمت بها دولة جنوب أفريقيا إلى نفس المحكمة، مطالبةً إياها بإصدر حكم يوقف الإبادة الجماعية، والتهجير القسري في قطاع غزة، فلم تتردد المحكمة في قبول الشكوى، ومن ثم إصدار حكم على إسرائيل بنفس المعنى، إذن كانت البداية لهم والنهاية عليهم، حتى وإن لم تنفذ إسرائيل حكم المحكمة، وهذا أمر متوقع، طالما ظلت أمريكا مشاركة في الإجرام الإسرائيلي، لكن هذا الحكم قد صدر بالإدانة، وهنا ستتعرف شعوب العالم أن الكيان الصهيوني يسير عكس الإرادة الدولية، وأن إسرائيل تحكمها شريعة الغاب، وأنها خارجة عن كل القوانين والمواثيق الدولية، فلم تعد السردية الإسرائيلية مصدقة كما كان قبل 7 أكتوبر.
إذن.. صوَّر اليهود للعالم أنهم الحمل الوديع بين ذئاب عربية متوحشة، حتى بزغ فجر السابع من أكتوبر على أيدي المقاومة الفلسطينية، حيث صحى العالم فجأة من سباته الطويل، وقد كان هذا العالم يغض الطرف عن الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، فسبحان الله مقلب القلوب والأحوال، فقد كان ينبغي أن يلوم العالم حركة حماس على هجومها على مُحيط غزة، وقتل وأسر المئات من الجنود الصهاينة، ولكن تلك الغزوة المباركة جعلت شعوب العالم تستيقظ، وتمعن النظر في الذي يجري على أرض فلسطين، وهذا الإمعان في النظر والتركيز في هذه الحادثة الكبيرة، قد دفعهم للبحث عن الأسباب التي دفعت الفلسطينيين للقيام بذلك الهجوم الناجح، فعندما بحثوا عرفوا الدوافع القوية التي أدت بالفلسطينيين للقيام بهذا الفعل الكبير، فوجدوا أن هناك كما كبيرا من الظلم والقهر والإذلال، قد وقع على الفلسطينيين، ثم إن ردة الفعل الصهيونية وقسوتها وبطشها المهول في حق المدنيين الفلسطينيين، وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن، وبأسلوب وحشي لا إنسانية فيه، وبعيدًا عن الخُلُق البشرية، عرف هذا العالم كنه اليهود وقسوتهم، وأن ديدن اليهود الكذب والخداع والتضليل عما يفعلونه من إجرام في حق الشعب الفلسطيني، والذين ظلوا يتعرضون للبطش والقهر الصهيوني منذ نكبة عام 1948م وهو اليوم الذي سلمت فيه بريطانيا المجرمة فلسطين لليهود، رغم أنف سكان وأهل فلسطين.
أراد الله- عز وجل- أن يظهر اليهود على حقيقتهم، وليس كما كان يصور الصهاينة، بأنهم يمثلون دور الحمل الوديع، وأن العرب هم الذين يرفضون التعايش معهم، ولكن الحقيقة عكس روايتهم إلى شعوب العالم، وأنّ اليهود ليسوا ضحية الرفض العربي، وقد أصبح الصهاينة يتكلمون اليوم علنًا عن نيتهم قتل أهل فلسطين، أو تهجيرهم بتعليمات تلمودية كاذبة وفاسدة، فيقولون إن كل البشر جائز قتلهم، وذلك إن لم يكونوا عبيدًا طائعين لهم، فالذي يجري اليوم على أرض فلسطين، فغد سيكون في كل أرجاء المعمورة وعلى كل البشر من غير اليهود.
لقد علقت أمريكا في شر جبروتها واستكبارها على الناس، فقد أتت إلى البحر الأحمر بأساطيلها وحلفها تحت كذبة حماية الازدهار، وذلك بهدف تأديب اليمن وجعلها عبرة لمن يعتبر، فقد خاب ظنها وانقلب السحر على الساحر، وصار اليمن هو الذي يؤدب أمريكا وحليفتها أم الخبائث بريطانيا التي كانت عُظمى وأمست عَظمة، وهي اليوم كمن بلع موسًا ونشب في حلقه، فظن العجوز بايدن أنه يستطيع قلب الموازين وقد كان الأسهل له وقف الحرب في فلسطين، حتى يتوقف محور المقاومة عن المساندة العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وتغيير مجرى التاريخ بأساطيله البحرية، ورأى أنه من السهل عليه أن يهزم اليمن الفقير والضعيف والمنهك من حرب استمرت تسع سنوات، لكن اليمن هو من سيُؤدب الغزاة اليوم، ويلقنهم درسًا في الحرب لن ينسوه أبدًا، وهنا خسرت أمريكا وحلفها المشؤوم الرهان، فلا هي أدبت اليمن وفتحت الطريق المُغلق على الصهاينة، ولا هي خرجت بنصر يُعزز الفوز بالرئاسة الأمريكية لبايدن؛ بل أضاف إلى أهداف اليمنيين- بجانب هدفهم السابق وهو الكيان الصهيوني- أهدافًا أخرى، فوجهّوا بنادقهم ومدافعهم وصواريخهم إلى سفن أمريكا وبريطانيا وبوارجهم العسكرية كذلك.
وإن إسرائيل المغرورة والتي اعتمدت على شرذمة فاسدة من المسؤولين العرب في دعمها للحرب على المقاومة الفلسطينية، فلا ترى في هذا الكون من يردعها، ولكن بتقادير ربانية سيردعها محور المقاومة، لكونه الأقرب إلى الله والأكثر طاعة لرب العالمين، وهو القوي بالله والواثق بنصر الله، وأن أمريكا التي تظن أنها رب هذا الكون من دون الله عز وجل، قد أغفلت من حساباتها محور المقاومة، وها هو قد أشعل الساحة ضد إسرائيل وأمريكا، وذلك من باب المندب إلى إيلات، ومن العراق بشعاع شمل العراق وسوريا وفلسطين المحتلة، وفي لبنان لم تتوقف المقومة الإسلامية يومًا واحدًا عن مشاغلة العدو بهجمات دقيقة ومركزة وفاعلة، وهي تحرص على أن يكون الصاع بصاعين أو أكثر، وذلك حتى وإن ساند الخونة في لبنان الصهاينة بمواقف مفضوحة، لا تليق بمن يزعم أنه وطني، وحريص على البلاد، فلا نقول إلّا خسئت تلك الدعوات المرجفة في الأرض، والنصر آتٍ بإذن لله.. وإنه لجهاد.. نصرٌ أو استشهاد.