"معًا نتقدم" لعُمان التي نريد

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

منذ إطلاق مشروع الرؤية الوطنية "عُمان 2040" والحديث والأمنيات والآمال لم تتوقف، خاصة وأن من أشرف على صياغتها هو المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي يعرف أدق تفاصيلها، ويملك المعرفة الكاملة فيما سوف تحققه هذه الرؤية لسلطنة عُمان في المُستقبل سواء القريب أو البعيد.

صيغت رؤية "عُمان 2040" لتُحقق نقلة نوعية على جميع المستويات؛ سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو التنموية بكافة جوانبها، هذه النقلة التي تتواكب مع ما يشهده العالم من تطور وتقدم سريع جدًا، متجنبة الجوانب السلبية التي رافقت الاستراتيجيات السابقة والتي كان من أهمها التنفيذ المتقن والكامل لجميع المراحل، ومن أجل ذلك سخرت جميع الإمكانيات لإنجاح هذه الرؤية التي تعني تحقيق آمال الوطن والمواطن بمفهومها البسيط، وتعني الانتقال بمستوى الحياة للمواطن إلى المكانة التي يرغبها والتي يهدف إليها كل من يقيم على هذه الأرض، ولقد شدد جلالته- أعزه الله- حول أهمية هذه الرؤية وحرصه الكبير على تحقيق مستهدفاتها عندما قال "وإننا لنْ نَتَوَانَى عن بذلِ كلِّ ما هو متاحٌ لتحقيقِ ما رسمْناهُ من أهدافِ وتطلعاتِ رُؤيةِ عُمان".

المتتبع لمشروع الرؤية الوطنية "عُمان 2040" منذ انطلاقها كمشروع إلى يوم إطلاقها بشكل رسمي وحتى يومنا هذا، يدرك أن الأمر هذه المرة مختلفة جدًا، والحمد لله كنت ممن سنحت له هذه الفرصة الوطنية للاقتراب من مشهد الرؤية ومتابعة جميع زواياها منذ النشأة والمختبرات واللقاءات إلى مرحلة إطلاقها وصولًا إلى السنة الرابعة منها، وقد شاهدت الحرص الكبير لتنفيذ كل مستهدفات الرؤية والعمل الذي تقوم به وحدة متابعة الرؤية والجهود التي تبذل في سبيل ضمان السير وفق الخطط والاستراتيجيات الموضوعة، والتغذية الراجعة المستمرة لتلافي الصعوبات ومعالجة التحديات، وأستطيع أن أقول إننا أمام مرحلة جديدة من التنمية والبناء وتحقيق الأهداف والروئ، ومن يرغب في التأكد من ذلك ما عليه إلّا أن يتصفح "مجلد البرامج الإستراتيجية" لخطة التنمية الخمسية العاشرة ويقارن ما تحقق منه على أرض الواقع، حيث سيجد أن ما تم إقراره من برامج تنفيذية في مختلف المجالات أصبح حقيقة على الأرض، ومازال العمل مستمرا لتنفيذ البقية من البرامج المقرة.

ومن أبرز أسباب نجاح الرؤية إلى هذه اللحظة هي عملية التقييم المستمرة التي تحظى بها، فمنذ انطلاقها وإلى الآن دأبت الحكومة على عقد لقاء مفتوح مع المواطنين يستهدف مناقشة التحديات وحلحلة الواقع وقراءة الوضع والموقف الراهن للرؤية وتقديم الحلول الناجعة التي تضمن استمرار العمل على جميع الأولويات والمستهدفات بنفس الوتيرة والكفاءة، وهذه العملية مُهمة جدًا وليست من باب الاستعراض وإنما هي تجسيد حقيقي لمعنى الشراكة وإنفاذ للإرادة السامية التي قضت بأن يضع المواطن رؤيته لتكون هي رؤية الوطن وطموحه المستقبلي، لذلك كان لابد من أن يشارك المواطن في تقييم مراحل الرؤية، وأن يبدي ملاحظاته وآراءه حولها، وأن يقرر الحلول التي يرى أنها كفيلة بتقويم الأداء.

ولا شك أن إطلاق مرحلة التسجيل لملتقى "معًا نتقدم" في كل مرة يشهد إقبالًا كبيرًا من المواطنين ويصل فيه التسجيل إلى مستويات كبيرة تكشف عن رغبة شديدة في المضي قدمًا في تجويد مشروع الرؤية الوطنية "عُمان 2040"، والمساهمة ولو بفكرة يمكنها أن تضع قدمًا في طريق المستقبل، وفي هذا العام وحسب المؤشرات الأولية فإن التسجيل وصل لمرحلة كبيرة جدًا، وهذا مرده إلى الإيمان الذي بدأ يتغلغل في نفوس كل موطن حول قيمة الرؤية وما يمكنها أن تقدمه من مستوى وطموح يرغب به كل مواطن.

كل خطة استراتيجية لا بُد من أن تواجه تحديات؛ كون أن العناصر والعوامل الخارجية المؤثرة كثيرة جدًا خاصة تلك التي تتعلق بالاستدامة المالية والتي هي الضمان الأول لتحقيق المستهدفات والوصول إليها، ولذلك تعرصت كثير من الخطط للفشل بسبب هذه العوامل، ولكن تلك الاستراتيجيات التي حرصت على التقييم المستمر ومواجهة التحديات أولًا بأول نجحت في تجاوزها ومضت نحو تحقيق غاياتها. وفي لقاء "معًا نتقدم" الذي أُقيم العام الماضي تحت رعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد، نوقشت تحديات عدة، خاصة تلك المتعلقة بمؤشرات التقييم، وطرحت العديد من البدائل والحلول التي من شأنها أن تجنب الرؤية الوقوع في مطب عدم استمرار التقييم الحقيقي والفعلي لأولويات الرؤية وأهدافها الاستراتيجية ومدى تحققها، وهذا جانب مهم جدًا فمن دون وجود مؤشرات أداء ثابتة ورصينة لن تتكون معرفة صحيحة بالوضع الراهن والتحديات.

إنَّ دورنا كمواطنين يجب ألّا يقل عن دور الحكومة في الحرص على استمرار الرؤية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، والسبب أننا نحن من يعنينا بشكل مباشر أمر التنمية المستدامة ونحن من وضعت الرؤية من أجله.. ولذلك أدعو كل من يملك فكرة أو مقترحًا أو رأيًا في أن يُبادر لهذا اللقاء، من أجل عُمان المستقبل، ومن أجل عُمان التي نريد، ومن أجل أجيال عُمان القادمة، فلهذا الوطن حقوق علينا أن نؤديها، ولهذا الوطن يجب أن نسعى ونجتهد لنرقى به فهو مصيرنا وغايتنا ومهما كانت التحديات كبيرة سوف يظل هذا الوطن شامخًا بأبنائه.

تعليق عبر الفيس بوك