ديمقراطية الرياضة

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

الديمقراطية الوحيدة التي يُمكن الاستمتاع بها في الدول العربية، هي ديمقراطية أستوديوهات التحليل الرياضي، هذه الأستوديوهات التي يمكن للمتحدث فيها ممارسة حقه في الكلام دون قيد، ويتحول فيها النقاش إلى "هايد بارك" مفتوح، ويعلو الصراخ، وتكال الاتهامات، وتنتقد أفعال المدرب، واللاعبين، ومجالس إدارات الأندية، والاتحادات الرياضية، ولا تملك تلك الجهات سوى الإنصات، مع حفظ حقهم في حق الرد إن شاءوا، وكل ذلك يتم عبر البث المباشر الذي يستمع له الجميع، ودون رقيب، وهي ممارسة ديمقراطية حقيقية، ولكنها مقصورة على الحديث عن شيء واحد، وهو: "الكرة"، هذه التي تجمعها المتعة، وتفرقها السياسة.

وحين استمع إلى مصارحات ومصارعات المحللين أو "أعضاء مجلس الرياضة" في الأستوديوهات، وتلك المناوشات التي تصل إلى درجة التجريح الشخصي، وتسفيه الرأي الآخر، أتمنى أن تمتد هذه الديمقراطية الرياضية إلى كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وأن أرى مجلس الشورى مثلًا، لا يتحفظ أعضاؤه في طرحهم، وأن يتقبّل كل وزير الانتقادات التي توجه إليه، وإلى الوزارة المسؤول عنها بروح رياضية، وأن يستمع المسؤول في الحكومة إلى مطالبات المواطن العادي، دون تشنج، أو تعالٍ، وأن تكون المناقشات في الاجتماعات الوزارية صريحة، وغير مجاملة، وأن يتحول المجتمع ككل إلى أستوديو رياضي، يمارس الجميع فيه حقه في التعبير دون رقابة أبوية، ودون تعدٍ على حقوق الآخرين، ودون خوف أو إرهاب فكري، أو مادي، فللجميع حق الكلام، وعلى الجميع الاستماع إلى الطرف الآخر، دون تمييز أو إقصاء.

ولكن هذا لا يحدث للأسف.. لأنَّ الروح الرياضية مفقودة لدى أطراف المجتمع، ولأن البعض يرى نفسه فوق مستوى النقد، وآخرون يرون أن نقد الأداء والعمل هو نقد لشخص المسؤول، وأن الصوت العالي هو "صوت مزعج"، وأن الحديث عن أداء الحكومة والوزارة مثلا هو تدخل في السياسة، و"السياسة" هي الكلمة التي يتوقف عندها الكلام، ويخشاها الجميع، ولا يمكن لفرد عادي أن يعطي رأيه في منظومة اجتماعية حكومية، لأن ذلك يدخل في بند الممنوع، ولأن "الحكومة لا تخطئ"، وهي قناعة تولدت لدى بعض المسؤولين بأنهم فوق مستوى النقد والمساءلة، ولذلك يفعلون ما يشاءون دون حسيب أو رقيب، فتكثر الأخطاء، وتقل الرقابة والمحاسبة.

لذلك يبقى جو "الأستوديو الرياضي" هو المساحة الواسعة للحوار، والنقاش، وممارسة حق النقد، والتعبير، وهو المكان الوحيد الذي لا تتدخل فيه الشرطة ولا الادعاء العام، ما دام يتم تحت قبة مجلس الرياضة، فإن خرج عن مجال الرياضة، فليتحمل سياط القانون، وحظًا أوفر للرياضة العمانية وللمنتخب "الوطني"، رغم أن الحظ وحده لا يكفي لبناء رياضة، أو كسب بطولة.