حتى لا يكون له بديلًا

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

كان بالإمكان أن يتوفقوا فيه ويكفيهم الكثير من الأمور.. فلديه ما يلزم من الخبرة والجدارة والمثابرة على تنفيذ الأعمال والمهام المكلف بها بطريقة صحيحة.

كان بالإمكان أن يكون مساهمًا في تذليل الصعوبات والعقبات في العمل، وأن يكون عونًا على اكتشاف الأخطاء لتصحيحها، ومبادرًا في تقديم الأفكار والمقترحات من أجل التطوير، والتوجيه والإشراف والمتابعة المستمرة لسير العمل لحصاد النتائج المثمرة بتعاون وانسجام مع الفريق الذي يعمل معه.

شخصية قيادية واعية طموحة، بمقدرة على الإنجاز والتطوير للصالح العام وأحد المخلصين الأمناء الذين يمكن الاعتماد عليهم، وليس كالبعض الذين وجودهم مثل عدمهم دون إنجاز سنوي ملموس يقدمونه لفائدة العمل! بل على العكس تراجع في الأداء وضعف في المستوى الوظيفي لسوء الإدارة، وإخفاق في تأدية الواجب كما ينبغي، وكأنَّ لا أحد يقيس ولا أحد يُتابع، متسترين على أخطائهم حتى لا تصل لمن بيده القرار. وما يهمهم إدامة بقائهم متربعين على كرسيهم الوظيفي عاماً بعد عام متشبثين به حتى الرمق الأخير، ولو يدسون الدسائس في سبيل ذلك.

وصاحبنا المدير هذا ظهرت قدراته الوظيفية وإمكانياته الإدارية في أكثر من موضع وأكثر من مناسبة، إضافة إلى ما يتقلده من مؤهلات علمية وعملية. وبدلًا من تكريمه وترقيته وجد رئيس الوحدة بأن هذا الشخص مصدر تهديد ومنافس له لأنه يتمتع بكثير من الخصائص الراقية التي تسمح له بسهولة أن يكون بديلاً أفضل منه، وخشي أن يتم استبداله به ويخسر مكانه ومكانته عاجلًا أو آجلًا.

وتأكدت وساوسه هذه عندما حضر المسؤول الأعلى إلى جهة العمل لتفقد سير العمل وبمعيته رئيس الوحدة وبحضور المديرين؛ فتحدث المسؤول الأعلى وبدلًا من أن ينظر إلى رئيس الوحدة عند حديثه عن العمل، وجّه نظره إلى هذا المُدير المجتهد الذي كان يخشى رئيس الوحدة أن يحل مكانه.

نظرات موجهة قد تكون غير مقصودة من المسؤول الأعلى ولكن رئيس الوحدة هذا أخذت تنتابه المخاوف والوساوس أكثر. وتساءل: لماذا المسؤول الأعلى لم ينظر إليّ حين وجّه خطابه في ذلك الوقت، ونظر إلى هذا المدير مشيرًا إليه؟! لا بُد وأنه يُريد أن يُعيِّنه بديلًا عني، وإلّا لما نظر إليه النظرة الرضية تلك مُعطيًا التوجيه له وليس لي، وأنا رئيس الوحدة؟!

أراد رئيس الوحدة أن يزيح هذا المدير من طريقه كمنافس محتمل، فقام بالتفكير في بعض التدابير الكيدية الخفية. والمدير مهما كان فهو لا يستطيع رد مكائد رئيس الوحدة إذا أراد الكيد له، فذاك لديه السلطة في مؤسسته، وهو الآمر الناهي وهذا مجرد مدير مغلوب على أمره.

بدأ رئيس الوحدة المتمسك بكرسيه بالتنفيذ الكيدي بتهميش هذا المدير وتقليص صلاحياته وإضعافه في العمل، فلا يتم تحويل المواضيع إليه؛ بل يتجاوزه لأشخاص آخرين دون مراعاة التسلسل الوظيفي في الدائرة. ويتفأجا المدير بأن بعض أعمال دائرته لا يعلم عنها شيئًا ولا تمر عليه؛ بل توصل إلى رؤساء الأقسام مباشرة. كما أصبح رئيس الوحدة لا يرشحه لعضوية لجان أو يدعوه لحضور اجتماعات أو ندوات ولا يسند له المهام، كما كان سابقًا، وليس ذلك فحسب؛ بل يقوم معاونو رئيس الوحدة بإيعاز منه بمضايقته ووضع العراقيل أمامه. إلى أن جاءت الفرصة الكبرى للتخلص نهائيًا من هذا المدير ذي الخبرة العلمية والعملية النشط والذي يشكل هاجسًا مؤرقًا لرئيس الوحدة من أن يأخذ مكانه؛ فاخرجه إلى التقاعد الإجباري ومعه الكثير بقرار وزاري بنسبة عدد 100% من الذين بالإمكان أن يشملهم القرار، وليس كباقي المؤسسات التي طبقت القرار بنسبة 70% الملزمة فقط، مراعاة لكفاءة بعض موظفيها المجيدين حتى لا تخسرهم وتخسر معهم مستوى الأداء الوظيفي الذي يقدمونه بخبرتهم وإمكانياتهم الإدارية والفنية.

ولم تُثنِ رئيس الوحدة أي محاولات للعدول عن ذلك من قبل مساعي أصحاب النوايا الحسنة ليمضي قدمًا في إضافة تطبيق نسبة 30% المتروكة لاختياره الشخصي!!

 بينما كان بإمكانه أن يعمل على تطبيق نسبة 70% وليس نسبة 100% ولكنه أصر عليها وصمم على تطبيقها فقط لأنه القرار يُجيز له ذلك!!

 ولو لم يتخذ هذه الخطوة الشخصية لما أحال إلى التقاعد الإجباري عددًا من الكفاءات المهمة ممن لم يتجاوزوا الأربعينات وبداية الخمسينات من أعمارهم الذين لا يزالون في أوج عطائهم الوظيفي، ومنهم هذا المدير الذي أراد فقط أن يشارك في خدمة الصالح العام بتفانٍ وإخلاص من خلال عمله دون التفكير في أن يكون بديلًا لأحد.

لكن حصل ما حصل من رئيس الوحدة، حسدًا وكراهية وتسلطًا؛ ليُنهي وجوده إداريًا ويقضي عليه وظيفيًا حتى لا يكون له بديلًا.