محمد بن سالم التوبي
كيف ستُنهي الولايات المتحدة الأمريكية حرب غزّة بأقل الخسائر بعد أن فقدت إسرائيل الكثير من التعاطف داخل المجتمع الأمريكي، وأيضًا في الدول الأوروبية وحتى في بعض حكومات دول الاتحاد الأوروبي- أو ما يسمى بالدول الديموقراطية؟
لقد خرجت في بعض الدول مظاهرات مليونية تناصر قضية فلسطين، وتطالب برفع الظلم عنهم والتوجه بالإعتراف بدولة فلسطين كدولة لها عضوية كاملة في الأمم المتحدة. الآن، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الخروج من هذا المأزق الذي وضعت نفسها فيه بعد أن دفعت بعدّتها وعتادها لاستمرار الحرب على غزّة وقصف المدنيين وهدم بيوتهم وتفجير المستشفيات والمدارس وأماكن إيواء النازحين وقتل كل ما هو حي، في محاولة يائسة لمحو حماس وإنهاء قياداتها في غزة وأي وجود لهم في المنطقة وذلك بدعم بريطاني أوروبي. قدمت الولايات المتحدة في هذه الحرب كل ما جادت به الصناعة العسكرية الأمريكية بمشاركة جنود أمريكيين واستخبارات متقدمة للوقوف مع إسرائيل خوفًا من خسارتها لهذه الحرب التي سمّاها البعض حرب وجودية لأمن إسرائيل.
الصهيونية وخبراء الإعلام فيها لا شك أنهم سوف يقودون حربًا إعلامية لتحويل توجهات المجتمعات الغربية من نصرة فلسطين إلى إسرائيل، أو على الأقل التخفيف من حدة تلك المناصرة التي لاقتها حماس بين كل شعوب العالم الحرّ بعد انكشاف الحقيقة التي انسلّت إليهم على غفلة من الإعلام الكاذب الذي يسيطر عليه أباطرة الصهيونية العالمية. لقد تكشّف للعالم أجمع أننا كنا نعيش بعيدًا عن الحقيقة مدة طويلة وكأن أعيننا قد عُصبت عن رؤيتها.
لقد تكشّفت لهم حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية ما هي إلاّ دولة استعمارية بالمفهوم الحديث، تستخدم الأمم المتحدة لتقنين حروبها وتأخذ صكّ الحرب المختوم بخاتم مجلس الأمن الدولي حتى تعبث كيفما تشاء في بلد آمن ولا تخرج منه إلاّ ممزق الأوصال، كما حدث في العراق المكلوم مدة تزيد عن ثلاثين عامًا من الاقتتال والميليشيات والطائفية والتدخلات الأجنبية والقواعد الأمريكية. لقد أرعبهم وجود ثلّة من رجال الله الميامين عفروا وجه القوة التي لا تهزم بالتراب.
لقد أدركت البشرية ووعت حقيقة الكيان الصهيوني المريض الذي يقتات على مدى سبعة قرون على دماء الفلسطينيين العُزّل الذين لا يملكون سلاحًا ويتم قتلهم بدم بارد، وفي الصورة الإعلامية أن إسرائيل دولة ديموقراطية لا تقتل اعتباطًا ولا تسجن إلاّ بمحاكمات ولا يمكن أن تتصرف بغوغائية، ولكن هذه الحرب كشفت أن الكيان هو كيان سيكوباتي معدوم الضمير محكوم عليه بالاختلال العقلي، فهو يقتل ويُبرّر القتل ويُدمّر بيوت الآمنين وكأن شيئًا لم يحدث.
لقد تكشّف زيف الآلة الإعلامية الصهيونية التي سادت وهيمنت على كبريات القنوات العالمية والصحف الشهيرة، ولقد عاثت في الأرض كذبًا وتزييفًا للحقائق ودافعت عن الجرائم الصهيونية، وفي أقلّها سكتت عنها على الرغم من تشدّقها بالشفافية والمصداقية التي تتغنى بها وهي من ذلك بعيدة كل البعد للأسف الشديد. لقد عمل أباطرة الإعلام الصهيوني على إخفاء الحقيقة الفلسطينية والحق الفلسطيني وتلميع الصورة الإسرائيلية وجعلها صورة نموذجية في الشرق الأوسط، لتأتي هذه الحرب الظالمة لتقول للعالم أجمع إنَّ الكذب والتزييف من الإعلام هي الحقيقة التي يجب أن يعرفها العالم، ولا مجال لإخفائها بعد اليوم مهما فعلت قيادات الشر في هذا العالم.
كشفت هذه الحرب مدى وضاعة الذين يسوّقون للقيم الديموقراطية في الغرب والتبجح بذلك، وحقيقة ما هي إلاّ ستار لتنفيذ أجندتهم الثقافية في المجتمعات وتحويلها إلى مجتمعات تابعة لهم وفق القيم التي يريدونها، حتى ولو كانت على حساب الجنس والأخلاق والدين الذي أسموه أفيون الشعوب. إنهم يوجهون الشعوب نحو الانحدار الأخلاقي والمياعة والمثلية حتى يتأتى لهم قيادة العالم وتدميره.
إنَّ الخروج من الحرب ليس سهلاً كما هو الحال في أي حرب، ولا أتصوّر أن قيادات حماس سوف تغامر بإنهائها من غير مكاسب على الأرض بعد كل الدماء التي نزفت وبعد كل الدمار الذي حدث وبعد كل الأرقام المريعة من الأطفال الذين استشهدوا في هذه الحرب والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال غض الطرف عنها إلاّ بثمن لا بُد لإسرائيل أن تدفعه عاجلًا أم آجلًا.