الصواب الخاطئ والخطأ الصائب

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

حتى يُفهم المعنى بين الخطأ بشرهِ والصواب بخيرهِ فهل يتعين على المرء القيام باختبار عملٍ صائب وتحقيق الخيرية منه مع أن الفطرة الإنسانية هي الدافع الدائم له، أو تعمد اقتراف فعلٍ خاطئ واختبار الشر الناجم عنه وهو ما يمنعه الضمير الحي وترفضه النزاهة مع إمكانية الاستفادة من تجارب سابقة مشابهة؟!

للجواب على هذه التساؤلات فإنه يحدو بي اجتراح سردٍ لمفهومي الخير والشر من نواحٍ نبلغ معها إحاطة فهمٍ عام، وبما أن الخير والشر يعتمدان على تمييز العقل لهما فقد يختلف البعض أحيانًا في وجوب توفر نص إلٰهي موحى يسند ذلك الاعتماد، إلا أن الجميع يتفق على الموضوعية بحيث يمكن تمييز الشيء في ذاته بالخير أو بالشر شريطة عدم الميل بدافعٍ عاطفي أو تحيز لتغليب مصلحة ودرء لتلك المعضلة التي قلما يتحرر الإنسان من قيود سيطرتها على نزاهة حُكمه جاء العدل الذي يرتضيه الجميع حكمًا ليتدخل بالقول الفصل وتحرير محل النزاع.

وقد يقع الخلاف في تقييم الصواب والخطأ بين الخير والشر باعتبار وجهة نظر طرفين متنازعين، فالأول يراه صائبًا وبالتالي هو خير بالنسبة له ويبني رؤيته على أدلةٍ موضوعية مقنِعة يعتمدها في المسار الذي انتهجه داعمًا بكل ما من شأنه تعزيز موقفه والدفع به إلى مستوى الإقناع، لكن الطرف الثاني يُعتبر كل ذلك خطأ ويعود عليه بالشر من حيث الموضوعية ويجسر موقفه معتمدًا على الإثباتات المنطقية والبراهين العقلية، وهنا نجد أن كلا الطرفان يرى نفسه على صواب وقد يكون خاطئًا والآخر على خطأ وقد يكون صائبًا، وبموجب الحرية التي منحها الله للإنسان في تصرفاته وهبه العقل للتمييز بين الخير والشر فقد تُزين له ميوله وأفعاله وأطماعه صوابية خطأه وخيرية شره، حتى يصل في مرحلةٍ من مراحل ذلك الاختلال إلى نكران الشرور التي يقترفها لأغراض مادية دنيوية ويضفي عليها صِبغة شرعية وتحيزاتٍ مبنيةٍ على رائحة القانون ليحقق الموضوعية اللازمة في قبول أفعاله، وهو بلاشك قد استمرئ تلك الأفعال على فتراتٍ زمنية طويلة ماتت خلالها بداخله مَلكة التقييم العقلي النزية التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات والتاث ضميره الحي، وقد ينحاز له من هو على شاكلته وممن يتقاطعون معه في المصالح والمكاسب.

يُفضل ضرب الأمثلة التي تبسط حديثنا المبني على المجهول حتى نستطيع تمييز المفاهيم سالفة الذكر، ولن نجد أدق مثالًا وأصدق توضيحًا أبلغ من الكيان الصهيوني المحتل ومافعله من السابق ومايقوم به اليوم من صنوف إجرامٍ لم يُقدم عليها من قبله أحد، وأساليب تعذيب دموي لا تخطر على قلب بشر وإزدراءٍ لكرامة الإنسان هي الأقذر على الإطلاق وانتهاك في منتهى السفور لكل القيم والأخلاق لم تعهدها البشرية في أحلك سوابقها التاريخية، ثم يعمد مع ضامني بقائه وبكل فجاجةٍ وصلافةٍ إلى التبرير في سياقات أعذارٍ واهية لا تزيده إلا قُبحًا وكراهية وحقدًا وبغضاء عند معظم شعوب العالم والقادرة على التمييز بموضوعية والتفريق بكل سهولة بين الصواب والخطأ والخير والشر، ويستمر الكيان المنحل في غيه وطغيانه دون أن يجد من يقف في وجههِ أو يردعه وقد استمرئ أفعاله ودخل في غفلة تصديق نفسه، وهي صفات الشخصية السيكوباتية التي تعاني من اعتلالات عقلية تحفزها على الجريمة ويبرر معها تصرفات الشر التي ينتهجها وتتراءى له بأنها صائبة ويكمن فيها الخير كله.

لا أتحدثُ هنا عن الموقف العربي العام إزاء ما يحدث في فلسطين وإن كان سيل المواقف المُعلنة يصب في بحر القضية الفلسطينية، إلّا أن ما تبقّى منه يذهب جفاءً وما مكث في الأرض لا ينفع الناس؛ كونه زبَدًا عظيمًا من الأقوال بلا فعل، وهي صفات الضعيف الخائف المصاب برهاب البارانويا والفاقد للثقة بكل المحيطين به مع امتلاكه لكل أسباب التغيير ولكنه لا يفعل وقد كسروا بذلك خواطر المسلمين، ولا أظن أنها ستُجبر قريبًا؛ بل نتحدث عن الكيان الصهيوني المُنحل ومن سار سيره من القوى الغربية المصابة بشيزوفرينيا المعتقدات الزائفة وتريد أن تُكرِه العالم على قبول فِصامها لكنهم على النقيض من العرب حيث إنهم يفعلون عكس ما يقولون، ويحرصون على تجنب الحديث عن الأمور الممنوعة المجرمة في قانونهم والخاطئة من الجانب الموضوعي المتفق عليه في الوعي الجمعي، ليظهرون أمام الرأي العام والرسمي بوداعةٍ منقطعة النظير وبحب الخير للجميع مع ضرورة إرساء دعائم الحق والعدل وفي المقابل تتناقض تصرفاتهم الكيدية على أرض الواقع ويُكذب إقترافهم للخطايا والرزايا التي يجدون لها مبرراتٍ لايقتنع بها غيرهم الصور والمظاهر الخادعة.

إنهم يرفضون العنصرية ويجرمونها داخل دولهم بكل قوة وحزم، لكنهم يمارسونها عسكريًا في الخارج، وفلسطين تختلف عن أوكرانيا، وهناك دوافع وميول، ويرفضون الاحتلال والمذابح والتصفية العرقية والتهجير القسري، لكنهم يمارسون دعمه بما أوتوا من قوة في غزة فهم يقفون مع الحق ولابأس بموت عشرات الآلاف من الأبرياء فهناك مبررات وضرورات. إذن.. هم يدعمون عمليًا كل ما ترفضه القوامة والنزاهة الإنسانية، لكنهم يرفضونه قولًا وشكلًا فقط، وإن قوبلوا بتلك الحقائق رفضوها فهم الأعلم بكيفية استخراج الخير الدائم الكامن في الشر البسيط المؤقت وأما من جانب الموضوعية فكل العالم لا يعقلها وهو بها جاهل ويجب عليه الانسياق والانقياد لجموح البصيرة الغربية، وقد يصدف أن يكون صديقي عدوًا لغيري، وعدوي صديقا لغيري، والعامل المشترك هنا هو الغير، فهل يجبرني هذا الغير بالقوة على مصادقة عدوي الذي هو صديقه أو يجبرني على معاداة صديقي الذي هو عدوه؟! هذا ماتحاول فعله القوى المتسلطة المتحالفة مع صديقها الكيان المستحل للحرمات والذي هو عدونا.

لقد تمكن هذا الكيان السيكوباتي المحتل والمختل من إيقاع الحزن والأسى والقهر والضرر بملايين البشر من الأبرياء ولا زال مقتنعًا بصواب أفعاله ولا يرى غضاضة فيما يفعله، مُبررًا دوافعه بأكاذيب مبنيّة على تلفيقات واهية من وحي الشياطين هو أراد تصديقها لإيهام نفسه بوجود مرجعية حقيقية يستند عليها، مُستأزرًا بالمتعاطفين معه وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا الشهيرتان بتبرير افتعال الحروب وقتل البشر وكلاهما لايختلفان عن بعضهما فهما ينزعان إلى أرومة واحدة وما الكيان الصهيوني المُتحلل تحت وطأة النازية الألمانية إلا نتاجٍ تولدَ عن ذلك الاجتماع الثلاثي لرؤوس الشر.

هل سيبقى العالم صامتًا على ما تقوم به شرذمة صعاليك قُطَّاع طرقٍ لا مرجعية لهم سوى أكاذيب بعض الدول الغربية؟ بالطبع لا، وإنما هي مُدد وأزمنة يمد الله فيها للظالم مدًا حتى إذا أعتقد أنَّه استوى واستغلظ قَيّض له ما لم يُلقِ له في غمرة خيلائهِ بالًا، ثم جعله عليه وبالًا لا يخاف فيهم لومة لائم ويجازيه بما فعل وأكثر نكالًا، ولعل ما تقوم به المقاومة اليوم هو أصدق قيلًا، وإنا نراهم ممن اهتدى للصواب والخير، وإن مسلك الهدى يعز من شأن الفتى، وبَذْل الخير والندى يقي مهاوي الردى، ويدحر كيد الظالم ومكر العِدا، والجزاء من جنس العمل.