أهمية المضائق المائية العربية

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

لم ننس الأهمية التي درسناها في المرحلة الابتدائية للمضائق المائية العربية التي تحكم عملية عبور سفن العالم، وقد عرفنا عندما كنَّا صغارًا منذ حقبة الستينيات من القرن الماضي أهمية تلك المضائق التي تضم مضيق هرمز الذي تشرف عليه سلطنة عُمان مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصديقة، ومضيق باب المندب باليمن الشقيق، وممر قناة السويس التي افتُتحت في 18 نوفمبر عام 1869م؛ باعتبار أن جميع تلك المضائق قنوات بحرية مهمة للعمليات التجارية لنقل البضائع بين مختلف دول العالم. ولقد ازدادت أهميتها جميعًا في العقود الماضية، إلّا أن أهمية مضيق باب المندب ازدادت كثيرًا، خاصة بعدما تم فتح قناة السويس؛ باعتبار أنها تقصر مسافة الشحن بين دول العالم في الشرق والغرب، بجانب تقليل تكاليف النقل البحري فيما بينها.

اليوم.. قرار اليمنيين الأشقاء بمنع مرور السفن المتوجهة عبر مضيق باب المندب كي تصل إلى موانئ دولة الاحتلال، تسبب في ارتفاع رسوم الشحن البحري بنسبة 173%؛ بل إلى أكثر من 200% بين الدول الواقعة في آسيا وأوروبا والأمريكتين منذ بدء سريان هذا القرار في شهر نوفمبر الماضي، وذلك بمتابعة أية سفينة لا تعمل بتلك القرارات وتعمل من أجل تلبية طلبات إسرائيل.

لا شك أن هذا القرار أثر بشكل مباشر على  الأسعار العالمية في عمليات الشحن وفق تقرير  "Freightos.com"  متعددة الجنسيات والمختصة في عمليات الشحن وصناعة النقل البحري. كما إن له تأثير سلبي على عمليات التأمين والتفريغ في المؤانئ العالمية، وكذلك على السلع والمنتجات المصدرة والمستوردة في العالم؛ فالكثير من شركات الشحن البحري العالمية بدأت في توجيه أساطيلها البحرية للسير عبر رأس الرجاء الصالح أسفل جنوب أفريقيا؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة فترة عبور السفن ما بين أسبوع إلى عشرين يومًا وفق موقع كل دولة.

الأسعار الحالية الفورية للشحن البحري اليوم تبدو مرتفعة جدًا؛ حيث بلغت قيمة نقل حاوية في حدود 40 إلى 4000 دولار؛ بل إلى أكثر من 5175 دولارًا، ثم إلى 6000 دولار مؤخرًا مقابل 1900 دولار أمريكي في الأيام القليلة الماضية، وذلك لشحن حاوية من منطقة آسيا إلى شمال أوروبا. وقد دفع ذلك إلى قيام بعض الشركات الشحن البحرية العاليمة برفع تلك الأسعار تجنبًا لأية هجمات من قبل اليمنيين المتضامنين مع أهالي قطاع غزة الصامدة التي تتلقى يوميًا هجمات بربرية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية بمساعدة دول أوروبية وأمريكا. ومن المتوقع أن تستمر هذه الأزمة ما لم تقم تلك الدول والمنظمات الدولية بمحاسبة إسرائيل على جرائمها المتعددة، ووقف الإبادة اليومية للشعب الفلسطيني وحل القضية الفلسطينية التي مضى عليها أكثر من 75 عامًا.

شعوب العالم بدأت تعرف أهمية هذه المضائق البحرية العربية وأولها مضيق باب المندب الذي يعد طريقًا بحريًا سريعًا يؤدي إلى قناة السويس التي تربط البحر الأبيض المتوسط مع البحر الأحمر، ومنه إلى بحر العرب والمحيط الهندي، أي أنه يربط بين قارتي أوروبا وآسيا، والذي بدأت تصل تأثيراته السلبية على قناة السويس التي يعبّر من خلالها أكثر 20 ألف سفينة سنويا، والتي يمثّل مصدرًا ماليًا مُهمًا لمصر الشقيقة.

قضية وقف الحرب الشرسة على قطاع غزة الصامدة لا تحتاج إلى تشكيل قوة عمل، مثلما أعلن عن ذلك مؤخرًا من قبل وزير الدفاع الأمريكي، لكنها تحتاج إلى قرار أُممي بوقف الحرب الدائرة على غزة لتعود حركة السفن إلى ما كانت عليه دون الدخول في مواجهات وهجمات في البحر الأحمر. المقاومة في عدة دول عربية تقف اليوم صامدة للدفاع عن غزة والدخول في معترك هذه الحرب، بينما الخاسر الأكبر منها ستكون دولة الاحتلال التي لم تحقق أي هدف منذ أن بدأت هجماتها الجوية القاسية على الأبرياء والعزل من النساء والأطفال بقطاع غزة والضفة الغربية والأراضي اللبنانية. في حين أن دولة الاحتلال تعتمد بصورة كبيرة على مرور سفنها عبر باب المندب؛ حيث تمر 98% من تجارتها الخارجية عبر كل من البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، فيما تساهم التجارة عبر البحر الأحمر بنحو 34.6% في اقتصاد دولة الاحتلال، حسب بيانات وزارة المالية الإسرائيلية.

إنَّ تعليق السفن العالمية لخططها لعبور البحر الأحمر يُكلّف العالم كثيرًا إن لم تتوقف هذه الحرب البربرية التي فاق فيها القتل والدمار أية حروب حديثة في العالم، ليصفها الكثير من المتابعين بأنها نوع جديد من "الهولوكست" الذي تُمارس فيه أبشع طرق القتل والفتك بالأبرياء. وإن الحرب على غزة الصامدة عرّفتنا اليوم أهمية هذه الممرات المائية العربية التي تشكّل مصدر دخل للدول إن تم استغلالها بصورة حكيمة. وهذه المضائق تقع في دولنا العربية، لكن القوانين العالمية تحتّم علينا أن نعتبرها مضائق عالمية مفتوحة ويتم تطبيق قوانينها على الأضعف في العالم، ولذا فقدنا الكثير من مواردنا المالية من تلك المقومات التي حبانا الله إياها لنستفيد منها في حياتنا.

 

     

الأكثر قراءة