شكاوى الصناعيين مستمرة

 

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

ما زالت هناك فجوة كبيرة بيننا وبين عدد من الدول الصناعية في العالم وفي المنطقة في مجال التصنيع، حيث احتلت سلطنة عُمان المرتبة الـ56 عالميًّا في القطاع الصناعي وفق بيانات التقرير الصناعي التنافسي للعام 2023، والصادر من قبل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو"، والذي صدر مؤخراً.

ورغم أننا نقفز سريعاً في تنمية هذا القطاع الحيوي الذي حقَّقت فيه السلطنة قفزات جيدة خلال السنوات السبع الماضية، بصعودها من المرتبة الـ72 في العام 2016م إلى المرتبة الـ56 في العام 2023، إلا أننا نحتاج تقديم المزيد من التسهيلات وإبداء المرونة وتوفير الخدمات للقطاع الصناعي؛ لكي يشعر رجل الصناعة العماني بالرغبة في الاستمرار في تحقيق مزيد من التقدم في هذا القطاع، والاستمرار في ضخ مبالغ استثمارية جديدة في مصانع أخرى، وليس دفعه للهرب بهذه الاستثمارات إلى الدول المجاورة التي تقدّم للصناعة والقطاعات الاقتصادية الكثير من التسهيلات والمرونة في تلك الأعمال.

رجل الصناعة في عُمان، ورغم مرور هذه السنوات العديدة على العمل في هذا القطاع، لا يزال يتطلع إلى أن تتعامل الجهات المعنية معه ومع الظروف الصناعية التي يواجهها بكل أريحية، وليس من خلال تحرير المخالفات وإرسال الفرق التفتيشية الفجائية إلى المصانع للتأكد ومعرفة إن كان المصنع يلتزم في معاملاته اليومية بصورة شرعية أو غير شرعية. فلا يمكن أن يُقام أي مصنع إلا بتصريح صناعي ووفق الاشتراطات والمعايير التي تتوافق عليها الجهات المعنية، ولكن الأمر يحتاج أحيانا إلى إبداء بعض المرونة خاصة في غياب الفنيين والعمال المُتخصِّصين الأجانب لكي يقوم الآخرون منهم بمتابعة تلك الأعمال لحين تسويتها بصورة صحيحة.

ما أود قوله هنا إنَّ مجموعة من الصناعيين يشتكون من الحملات التي تقوم بها وزارة العمل أثناء تأدية العُمَّال أعمالهم في المكاتب وأماكن التصنيع، وإلزام بعضهم بفتح أجهزة الاتصالات الخاصة بهم (لاب توب) وقراءة رسائلهم، ومعرفة إن كانوا هم من يقومون بإرسال هذه الرسائل أم مديرون آخرون في المصنع. وإذا ما شعروا بأنَّ المرسل لتلك الرسائل ليس هو الشخص المختص، يقوم المفتش بتحرير المخالفة للمصنع أو لصاحبه؛ الأمر الذي يؤدي لزيادة تكاليف المصنع، بل ونفور بعض هؤلاء الأشخاص العاملين من الاستمرار في ذلك المصنع.

إنَّ غياب المرونة في مثل هذه القطاعات، سيؤدي لتفاقم مشكلات الصناعيين، خاصة إذا كان هؤلاء بحاجة لبعض التخصصات اليدوية التي لا تتوافر في السوق المحلي؛ فهذه المصانع تقوم أولاً بتوفير فرص عمل للعمانيين، والبعض لديها ما بين 60 و70 أو أكثر من الأفراد العمانيين الذين يعملون في مختلف التخصصات، مع العلم بأنَّ المنتج الصناعي في السلطنة يكلّف كثيراً مقارنة مع نفس المنتج المصنوع في الدول المجاورة؛ باعتبار أن الرواتب التي تدفعها المصانع للعمالة المحلية تفوق كثيراً ما تدفعه المصانع المماثلة خارج السلطنة للعمالة الوافدة؛ لأنها غير مُلزمة بتشغيل العدد الكبير من العمالة الوطنية؛ الأمر الذي لا يعطي فرصة كبيرة للمصانع الصغيرة والمتوسطة ومنتجاتها للمنافسة في كثير من الأسواق العالمية.

ومن هذا المنطلق، فإن إبداء المرونة للمصانع العمانية أصبح من الضرورات لاستمرارها في العمل، خصوصا في ظل المنافسة الشرسة القادمة من الخارج، خاصة من المصانع الخليجية التي تعفى منتجاتها من أي ضريبة في إطار اتفاق دول مجلس التعاون فيما بينها بإعفاء المنتجات من أي رسوم جمركية. لذا؛ فأي إقفال للمصنع المحلي سيؤدي لتفاقم مشكلة المسرحين من العمالة المحلية في البلاد، وهذا ما يجب على الجهات مراعاته واجتنابه، مع تأهيل وتدريب العمالة المحلية لتزويد المصانع بها.

إنَّ التحسن الذي شهده القطاع الصناعي في السنوات الماضية تحقق نتيجة الخدمات التي تقدمها الجهات المعنية، مع الإعفاءات والتسهيلات الأخرى التي وفرتها الحكومة لهذا القطاع. والمرحلة الحالية تحتاج إلى مرونة في التصنيع. فهذا القطاع ليس كقطاعات اقتصادية أخرى؛ لأنه يحتاج إلى كوادر وكفاءات في مختلف التخصصات الفنية التي أحيانا تكون غير متوفرة في السوق المحلي، فيتم إحضارها من الخارج. فأكبر الدول الصناعية في العالم ما زالت تستعين بالعمالة الوافدة أحيانا، مع تشغيل العنصر الوطني لديها، وهذا ما يجب العمل به في السلطنة ليشعر رجل الصناعة بأن جميع متطلبات التصنيع متوفرة، ويشعر بالمرونة في العمل اليومي، وإلا فإنَّ هذه المصانع سوف تغلق في يوم ما أو يتم نقل مقارها للدول المجاورة التي تقدّم الكثير من التسهيلات والمرونة في تلك الأعمال.

ومع الاستمرار في فهم القضايا المتعلقة بالصناعة والصناعيين، فإنَّ ذلك سيؤدي لتنويع الأنشطة الصناعية وزيادة القيمة المضافة لهذا القطاع، وكذلك زيادة حجم صادراته السنوية.