جرائم تهدد سلامة المجتمع

حمد الحضرمي

محامٍ ومستشار قانوني

إن الجرائم التي تهدد أمن وسلامة واستقرار المجتمع متنوعة، وتعد من جرائم الجنايات، والتي يعاقب عليها قانون الجزاء العماني بالإعدام أو السجن المطلق أو السجن المؤقت من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة، مثل الجرائم الماسة بأمن الدولة كالتجسس، والجرائم ذات الخطر العام كالحريق، والجرائم المخلة بالثقة العامة كالتزوير، والجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة كالاختلاس والإضرار بالمال العام، والجرائم التي تمس الدين كالتطاول على الذات الإلهية، والجرائم المخلة بالآداب العامة كالبغاء والفجور، والجرائم الواقعة على العرض كهتك العرض، والجرائم التي تمس حياة الإنسان وسلامته، كالقتل العمد والانتحار، والجرائم الواقعة على الأموال كالسرقة والابتزاز والاحتيال وإساءة الأمانة، وغيرها من الجرائم التي لا يتسع المجال لذكرها.
فمثل هذه الجرائم وغيرها لكثرتها وشيوعها تهدد أمن المجتمع، لأنها قد ظهرت بصور وأساليب جديدة للجريمة لم تكن معروفة من قبل، حيث يستخدم في هذه الجرائم القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، وهذه الجرائم بأساليبها المختلفة تشكل تهديد يخل بالنظام العام، ويعرض أمن المجتمع وسلامته للخطر، لما لهذه الأفعال الإجرامية من خطورة على الأشخاص وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، وتبث في نفوس أفراد المجتمع الرعب والفزع، وتقوم بالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، والاعتداء على أفراد المجتمع بسفك دمائهم، وهتك أعراضهم، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، أو الأمن القومي، أو نشر الفوضى والاضطرابات في المجتمع.
ويشكل العود في الجرائم التي تهدد الأمن العام ظاهرة خطيرة، لأنها تهدد كيان المجتمع، وتعمل على عدم استقراره والإضرار بمصالح أفراده، ويبقى العائد المجرم الذي يرتكب الفعل الإجرامي مرة أخرى أكثر خطورة على المجتمع وأفراده، لأن الروح الإجرامية قد تأصلت به، ولم تردعه عقوبة الحكم المقررة عليه في قضيته السابقة، ويظل سلوكه الإجرامي المتكرر يشكل خطرًا يهدد مصالح المجتمع، ويسبب خسائر للإنسان في نفسه وماله وعرضه. وقد تفشت ظاهرة العود في الجرائم التي تهدد أمن وسلامة المجتمع، الأمر الذي أثر بشكل بالغ على عدم استقرار المجتمع، والإضرار بحياة وممتلكات أفراده، وقد نتج عن ذلك ارتفاع ملحوظ في معدل الجرائم الواقعة من الأشخاص الذين لهم سوابق جرمية.
وتطارد الأجهزة الأمنية الجريمة أينما كانت وبكل الوسائل، ويقوم الادعاء العام بإحالة القضايا الجنائية للمحاكم للنظر فيها وإصدار الأحكام بحق الجناة، لأن الجريمة ظاهرة اجتماعية خطيرة، وسلوك ضار بالمجتمع وأفراده، والغاية من إحالة القضايا الجنائية وصدور أحكام قضائية بحق الجناة، لتكون هذه الأحكام رادعًا لهم لعدم العود للجريمة، ويقل ارتكاب ووقوع الجرائم، ليسود الأمن والاستقرار في المجتمع، ولكن للأسف الشديد بعض المجرمين الذين صدرت ضدهم أحكام من قبل لم تزجرهم  عقوبات الجرائم السابقة ويعودون في ارتكاب جرائم جديدة، وهنا يشكل هذا العود خطورة تثبت بأن هذا الإنسان أصبح مجرمًا لا بد من تغليظ العقوبة عليه، حفاظًا على أمن واستقرار المجتمع وحماية لأفراده.
وتبقى الجريمة تشكل تهديدًا كبيرًا على حياة الأفراد والمجتمعات، وانتهاكًا واضحًا لحرمة المجتمع، وتعديًا سافرًا على أمن واستقرار المواطن والوطن، وقد ركزت التشريعات والقوانين على مكافحة الجريمة بمختلف أشكالها وأنواعها وصورها وأساليبها، حتى يعيش الأفراد في مجتمعاتهم في أمن وأمان وسلم وسلام. ورغم كل ذلك ستظل الجريمة الجنائية مستمرة إلى قيام الساعة، وستظل خطورتها قائمة لأنها تشكل عدوان على المجتمع وتمس أمنه ومصالحه، وسيبقى المجرم العائد يشكل خطورة أكبر من الآخرين، لوجود سجل إجرامي بحق يثبت ارتكابه جريمة سابقة مماثلة، ويقرر القاضي تغليظ العقوبة في حالة عود المجرم لارتكاب قضية مماثلة، لأن العقوبة الأولى المحكوم بها عليه لم تردعه ولم تزجره من ارتكاب جريمة أخرى.
وهناك عوامل تساعد على انتشار الجريمة في المجتمع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ضعف الوازع الديني للفرد، والاستخفاف بالحدود والعقوبات والقوانين الموضوعة للحد من انتشار الجريمة، والتنشئة الأسرية غير السليمة، وتنشئة الطفل ضمن نطاق عنف وتفكك أسرتي. والحكمة من تشريع العقوبة على الجاني هي لحفظ نظام الحياة والمصالح الكبرى للمجتمع، والعقوبة غايتها الردع والزجز للجناة من معاودة جرائمهم، وتطبيق مبدأ العدالة بين الناس، وأخذ الحق من الجاني ورده للمجني عليه دون تجاوز ومن منطلق المبدأ الإسلامي العظيم "لا ضرر ولا ضرار والضرر يزال". ويتطلب من إدارة السجون تفعيل البرامج الإصلاحية لنزلائها، وتأهيلهم ومساعدتهم لتخطي الكثير من العقبات نحو حياة جديدة حرة كريمة بعد الإفراج عنهم من السجون.
والتركيز على علاج نزلاء السجون الصادر عليهم أحكام قضائية نهائية في كل القضايا، مع التركيز على قضايا المخدرات خاصة المدمنين منهم لأنها حالات مرضية أكثر منها إجرامية، وذلك لمساعدتهم على التعافي النفسي والبدني من خلال برامج علاجية ونفسية بالتعاون مع وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية والخاصة المختصة بعلاج مثل هذه الحالات، مع زيادة تفعيل البرامج الإرشادية والدينية والثقافية والرياضية والمهنية لهم، والتهيئة النفسية للمتوقع الإفراج عنهم للاندمامج في المجتمع، وتعزيز الثقة بقدراته وإمكانياته ليكون إنسانا صالحًا نافعًا لنفسه وأسرته ومجتمعه بعد خروجه من بوابة السجن، على أمل أن لا يعود إليه مرة أخرى.