أنا وإستراتيجية العزاء وانتخابات الشورى

 

 

سالم بن نجيم البادي

ترشَّحتُ لعضوية مجلس الشورى وزادي الوحيد قلمي، أكتب عن قضايا الناس وهمومهم ومشاكلهم، وأحاول نشر الحب والسلام والأمل، ولا شيء غير ذلك، وأنا أعيش بعيدا بين الجبال مع ناقتي وغنيماتي القليلة، ثم أقضي أوقاتا ممتعة بين كتبي في مكتبتي (الصومعة) أقرأ وأكتب.

ولي تجربة متواضعة جدًّا في الكتابة أثمرت حتى الآن عن تأليف ثمانية كتب، من بينها ثلاثة كتب للأطفال وفي مجالات أخرى أدبية واجتماعية ودينية، ومقالات أسبوعية في جريدة "الرؤية" الرائدة، وأهيمُ في أودية الشعر والروايات، وأتواصل مع أناس يتميزون باللطف والطيب، وأجتر ذكريات حلوة، ويطيب لى السهر الطويل، وحين يسألونني عن السهر؟ أرد قائلا: الليل والسهر لنا نحن الكتاب!

أذهب إلى الخلوة ضحي وهي خيمتي الصغيرة والبعيدة، هربًا من زحمة الناس وضجيج الحياة. وكنت خلي الفؤاد مرتاح البال أصنع عالمي الخاص بي، أتأمل الغروب والشروق وأعشق الطبيعة بكل عناصرها، وأحب الأشجار والأزهار والأعشاب البرية، ويروق لي المشي بين الجبال والأودية لمسافات طويلة وأذهب حيث الغمام والمطر.

يُطربني صوت الرعد ويثير عواطفي وأشواقي منظر البرق البعيد. كنت أتجنب الاختلاط بالناس ليس تكبرا ولا غرورا، لكنني لا أجيد التعامل معهم ولا أتقن فنون المجاملات، ثم إنني ابتُليتُ بداء حب الوحدة، وهذا سبَّب إزعاجًا مستمرًا لي ونقدًا لاذعًا من الناس وأقاويل كثيرة واتهامات أقابلها باللامبالاة والصمت والاستغراب والدهشة وكأن المقصود بها غيري. وقد أخبرت معظم الذين أعرفهم بنيتي في الترشح لعضوية مجلس الشورى، وكانت النصائح تتوالي عليّ، لكن الغريب في الأمر أن الكثير من الذين أخبرتهم نيتي الترشح لمجلس الشورى أجمعوا على أهمية حضور مجالس العزاء، وضرورة أن أكون أول الحاضرين للعزاء وآخر من يغادر العزاء، وعليَّ أن أقف عند باب خيمة العزاء أستقبل الناس عند حضورهم للترحيب بهم وأتأكد من أن علومهم قد أُخذت، وأنهم تناولوا القهوة والتمر، ثم أخرج لوداعهم عند مغادرتهم للعزاء، وأن أخبرهم فردا فردا بأنني نويت الترشح لعضوية مجلس الشورى.

وليس هذا فحسب، وإنما عليَّ أيضا أن أحضر صناديق قناني الماء وصحن السح ودلة القهوة، وذلك طوال أيام العزاء، وأن عليَّ تقديم وجبة غداء لأهل المتوفَّى ومن يبقى معهم من ضيوف حتى وقت الغداء ولو لمرة واحدة، وكنت سابقا أتجنب الذهاب إلى العزاء إلا نادرًا، وأكتفي بالرسائل أو الاتصال الهاتفي، وأستغرب من الناس الذين يحرصون على الذهاب إلى العزاء أكثر من حرصهم على زيارة المرضى أو حضور دفن الأموات!

قال لي أحدهم: "لا تدخل الانتخابات هذه السنة.. انتظر أربع سنوات تكون خلالها واظبت على حضور العزاء حتى يعرفك الناس"!

تلك هي إستراتجية العزاء وانتخابات مجلس الشورى.. هكذا اطلقت عليها.

النصيحة الثانية هي المال ثم المال ثم المال، و"اللي ماعنده فلوس ما يدخل الانتخابات"؛ إذ سمعت هذا القول كثيرًا جدًّا، وهذا يعني الإنفاق بسخاء وكرم على المساجد والسدود والمجالس قيد الإنشاء، وقالوا لي كن سخيًّا في التبرعات للمدارس لبناء المظلات ودعم المشاريع التي تخدم العمل التربوي وتكريم الطلبة المجيدين، ولا تنسى الفرق الرياضية والفرق الخيرية وغير الخيرية وكل الجهات، ووزِّع المال على أهل الحاجات والفقراء وأهل النفوذ في قومهم.

النصيحة الثالثة هي زيارة كل القرى والتجمعات السكانية بيتًا بيتًا، وذكروا لي أسماء الأسر والعائلات وأماكن سكنهم، والفاعلين في المجتمع، وقالوا: "لا تخوز من بيوت الناس، خليك على تواصل مستمر مع الجميع"، وبعضهم قال لي ركز على أطراف الولاية، وبعضهم قال: "عينك على مركز الولاية"، وقد كنت خجولًا، وحين أذهب لزيارة البيوت كنت كأنني أُقاد للذبح.

النصحية الرابعة: "لا تثق في وعود الناس"؛ فإن الغالب لدى الناس المجاملة.

النصيحة الخامسة هي أن هذا الزمن زمن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، "فأكثِر من الظهور الإعلامي"، وصارحني أحدهم وقال: "ما سمعنا حد فاز من الكتاب والأدباء والشعراء.. هذا ما شغلهم هذا شغل الهناقرة رعاة الفلوس"، ولا أعلم هل كان كلامه صحيحًا أم لا؟!

وأنا أتلقى كل هذه النصائح، يسوقني الفضول والرغبة في خوض التجربة!!