جواسيس الصهيونية

 

الطليعة الشحرية

كم كان عمرك عندما اكتشفت عدد الأسافين التي تلقيتها من الآخرين؟

منذ 7 أكتوبر، أيعقل أن يتعامل الجميع السابقون واللاحقون مع قضية فلسطين بعقلية الحملان بين قطيع الذئاب، مع احترامي للذئب الحيوان الملكي والمعروف باتباعه لقواعد ومبادئ ودستور نبيلٍ وشريف، ولكن اقتضت الحاجة للاستعارة المخزية. الذئب المتهم البريء من دم يوسف، ولا براءة أو تبرير لمن يُشارك ويُساهم ويدعم لاستمرار هذا العار، وكما يقدس العرب الخيط الرفيع من الشرف، وقفوا وقفات احتجاج وندب وشجب لم تصل للطم بعد على سيل الشرف المسفوكة بنصالٍ قرضابٍ ومذرب ومهندٍ صوارم.

رحلة الخوازيق...

ما كان لوعد بلفور أن يتحقق لو لم تُمهد الحركة الصهيونية في مصر لذلك، كما ذكر في كتاب المشروع الصهيوني للدكتورة عواطف عبد الرحمن بأنَّ البدایة الفعلية للنشاط الصهيوني فى مصر ترجع إلى 1896، مع وفود جوزیف ماركو باروخ الذي أسس جمعية بوكوخيا الصهيونية في القاهرة. وهناك من يرى أن النشاط الصهيوني بدأ مع زيارة هرتزل لمصر 1904 لبحث مشروع الاستيطان اليهودي؛ حيث استقبلته الأسر الرأسمالية اليهودية المُسيطرة على المفاصل المالية والبنكية والعقارية والزراعية وقطاع الصناعات الخفيفة في مصر منذ عهد الخديوي إسماعيل الذي انتهج سياسية الاقتراض لتحقيق طموحه في بناء دولة عصرية حديثة بعد انفصال مصر عن الدولة العثمانية.

مع بدء النشاط الصهيوني وتأسيس العديد من الجمعيات لها، توسع النشاط وامتد إلى دعوات لتحقيق أهداف المنظمة الصهيونية العالمية خصوصاً بعد تدفق الآلاف من اللاجئين اليهود القادمين من سوريا وفلسطين بعد صدور قرار الوالي العثماني بتحريم النشاط اليهودي الصهيوني في يناير 1915.

استقبلت مصر اللاجئين اليهود وأقامت لهم معسكرات، اتسعت رقعة المعسكرات اليهودية مع ازدياد تدفق اللاجئين خصوصا بعد تأسيس "الاتحاد الصهيوني" في مصر عام 1913، وذلك بعد اختيار جاد موصيري أحد أبرز الصيارفة في مصر، وتولى رئاسته في عام 1916.

كثرت أعداد يهود أوروبا الشرقية والقسطنطينية وأزمير وسوالونيك ورومانيا في مصر بعد قيام الحرب العالمية الأولى ونزل هؤلاء المهاجرون فى ميناء الإسكندرية، وأقاموا في معسكرات بمنطقة القبارى عُرف باسم "معسكرات التحریر". واهتمت بريطانيا العظمى الاستعمارية براحة هؤلاء المضطهدين في أنحاء أوروبا فأمرت السلطان حسين كامل سلطان مصر بصرف إعانة يومية. وانطلقت من معسكرات القباري النواة الأولى لتكوين جيوش مُدربة ومُعدة بأموال التبرعات للمحاربة في فلسطين لاحقاً وذلك بعد أن وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني وخروج الدولة العثمانية.

طرقت المطرقة أول مسمار وخازوق، الأموال العربية المصرية التي تم التبرع بها لُمساعدة وغوث اللاجئين اليهود في معسكرات التحرير بمنطقة القباري ساعد في تشكيل وتدريب العصابات الصهيونية والتي تطورت فيما بعد إلى ما يُعرف الهاجاناه، وهو عبارة عن تكتل عسكري نشط في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين قبل إعلان قيام الكيان المحتل.

الخازوق الثاني كان بصدور وعد بلفور والذي جاء بعد عشرين عاماً من العمل الدؤوب والمنظم بدأه هرتزل لإقامة دولة يهودية، صكت بريطانيا العظمي بيد اللورد آرثر جميس بلفور وزير خارجية بريطانيا رسالة إلى البارون ليونيل فالتر روتشيلد يُعلن فيها تعهد الحكومة البريطانية بمساعده اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. عُرف عن بلفور كرهه الشديد لليهود فلماذا يُعطيهم فلسطين؟  

إنها النيَّة الاستعمارية الخبيثة والقديمة فقد نادى نابليون إلى المخطط ذاته عند غزوة الشرق في ندائه الموجه لليهود  يا أيها الإسرائيليون انهضوا فهذه اللحظة المناسبة" ، وكل ما فعله الاستعمار البريطاني إعادة إحياء المخطط بقفاز صهيوني يهودي فبريطانيا يستحيل عليها البدء في حرب مع الإمبراطورية العثمانية، فتستخدم "قفازاً للملك" عملاءها الخونة لتقسيم المنطقة العربية. أدركت بريطانيا الاستعمارية أن تقسيم الشرق العربي لن يتحقق إلا بانسحاب عثماني وباستخدام قفاز عربي أصيل وقام بهذا الدور شريف حسين.

تنهال الخوازيق علينا كسيل المطر منذ بداية الحروب الصليبية ولم نتعلم، واستمرت دهراً ولم نتعلم، إلى أن أنشئت الجامعة العربية لنسقط في ذات الخازوق، لا تتعجبوا أن فكرة إنشاء الجامعة العربية هي لأنتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا 1942.  أوجدت الإمبريالية الاستعمارية البريطانية كياناً يسد فراغ الخلافة الإسلامية، فكانت ضرورة إشغال العرب بالعروبة، وذلك كما ذكر في كتاب "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" لمحمد حسنين هيكل. 

الجامعة العربية كانت مخترقة مُنذ نشأتها وحسب ما أورد هيكل في كتابه "إيرين كيونيللي" و "يولاند هارمر" عشيقات أوقعن سياسيين عرب بارزين منهم السيد " تقي الصلح" مساعد الأمين العام للجامعة العربية". وتعتبر يولاند إحدى أهم الجاسوسات الإسرائيليات، التي ساهمت في الحصول على وثائق عسكرية من الجامعة العربية.  

فهل اكتفينا من الخوازيق؟ حاشا وكلا نحن لا نتعلم ونرفض التعلم، والدليل اختراق "تسيبي ليفني" وزيرة خارجية الكيان المحتل السابقة للأنظمة العربية، ألا نتعلم من الخوازيق أم نحبها؟

غزة تحرر البشرية من استعباد المنظومة الاستعمارية الغربية للعقول من ازدواجية المعايير. غزة تحرر العرب من قرون عاشوها تحت أوهام العروبة المغامرة الزائفة وأحلام أمجاد تتكسر تحت ظلال السراب.  عندما تنبري اليوم الأنظمة الوظيفية العربية في مُساعد الاستعمار الغربي للحفاظ على وجود الكيان المحتل المربوط بحتمية وجودها بالعتاد ودفع الفواتير والتجسس، وتزويد الصهاينة بالمرتزقة المستأجرين بأموالٍ عربية وهي إعاده لمشهد معسكر الحرية وجمع التبرعات لغوث اللاجئين اليهود في معسكر القباري مع اختلاف الفارق الزمني.

حماس المقاومة المشروعة التي دفعت بالقوى النووية العظمي إلى التكالب والتضافر وضخ جنودها وتحريك أساطيلها وغواصاتها في مشهد أشبه بقيام حرب كونية للحفاظ على مصالحها من الطاقة والنفوذ أولاً ثم تأمين النظام المشوه المزروع غصباً وظلماً وعدواً سيتم قلعه بذات اللغة التي يفهمها الغرب. يستعمل الاستعمار الغربي الصليبي كل ما يمكن استعماله للحفاظ على مصالحه من الطاقة والنفوذ في الشرق العربي بتشكيل كيانات مشوهة أو عقد مؤتمرات سلام والتلويح بالعنصرية ومعادة السامية ولا أدرى أي شعب سامٍ يتحدثون عنه مع هؤلاء اللاجئين الذين وفدوا من أوروبا بدون أصول سامية، كذبوا الكذبة وصدقوها.

يعدينا تاريخ الخوازيق المتكرر إلى لحظة البداية، يتوجب علينا تصحيح المرجعية التاريخية لفهم أعدائنا الحقيقيين، وهو الاستعمار الصهيوني الصليبي.  لا خوازيق بعد اليوم انتهت كل تلك الأحلام مع كل مؤتمر يُعقد ومجلسٍ يقام، وصرح يُبنى، وأعلام بالعروبة رفرفت، وأغانٍ صدحت تشد أزَرَ الإخاء وكلمات الشجب والندب والتنديد في الصباح تصدح وتوسد في أحضان العروبة ليلاً، هل نامت العروبة مع شبيهةٍ يولاند؟ نعلم ولا نعلم، كفرنا بمؤتمراتكم وعروبتكم.