موقف اليابان من الحرب على غزة

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

هناك عدة دول ما زالت تُراقب الوضع المأساوي في غزة الصامدة بالرغم من تتابع الهجمات البربرية التي تقوم بها الدويلة الصهيونية المارقة ضد المدنيين الفسطينيين والاستمرار في الإبادة الجماعية لأبناء فلسطين، كما إن المؤسسات المدنية هي الأخرى تتعرض للنسف والمحو منذ أكثر من 36 يومًا في إطار هذه الحملات البربرية اليومية وقتل وسفك للدماء الطاهرة من خلال الهجمات الجوية على الأبرياء والمرضي في المستشفيات ومراكز الإيواء والمدارس والمساجد والكنائس والعمارات التي تضم بين جنباتها الأطفال والناس والشيوخ والشباب لتمحوها مع ساكنيها.

ومن بين تلك الدول التي تُراقب هذه الأوضاع المأساوية وبقلق شديد، هي دولة اليابان التي تُعد واحدة من الدول التي تقع في المحور الأمريكي، إلّا أنها تسعى لوقف هذه الحرب على جميع أطراف الصراع؛ سواء على الفلسطينيين أو الإسرائليين، وتطالب بضرورة الالتزام بالقوانين والشرعية الدولية. وفي خضم هذه الأزمة، أجرت وزيرة خارجيتها يوكو كاميكاوا قبل أيام مضت اتصالًا مع السيد بدر بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية بهذا الشأن؛ حيث أكد الجانبان على إعطاء الأولوية القصوى لضرورة وقف الهجمات على الأبرياء والتوقف عن قصف البنية التحتية المدنية، والعمل على تحقيق هدنة عاجلة لتمكين الناس من الحصول على المستلزمات الضرورية للحياة من مأكل ومشرب ووقود وأدوية والمستلزمات الطبية المختلفة، وتمكين وصول مختلف الاحتياجات الإنسانية الإغاثية للسكان بصورةٍ أكبر وأسرع، ووقف سقوط المزيد من الضحايا المدنيين الذين يصل عددهم الآن إلى 12 ألف شهيد نصفهم من الأطفال والنساء.

يتضح مما سبق أن اليابان حريصة على تغليب لغة الحوار في إيجاد حلٍّ نهائيٍّ ودائم للقضية الفلسطينية على أساس حلِّ الدولتين والقانون منذ احتلال فلسطين، وإنشاء دولة الاحتلال في عام 1948.

في هذه الحرب الدائرة على غزة، يرى المراقبون أن موقف اليابان لم يكن محايدًا في هذا الشأن كما اعتدنا أن نراه في الكثير من مواقفها فيما يتعلق بالحرب العربية الإسرائيلية في المنطقة؛ حيث كانت اليابان ضمن 4 دول صوتت ضد مشروع قرار قدمته روسيا لمجلس الأمن في بداية الحرب يدعو إلى إيجاد هدنة إنسانية في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس؛ حيث صوتت اليابان إلى جانب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على رفض مشروع القرار، بينما أيدته كل من روسيا والصين والغابون وموزمبيق ودولة الإمارات، وامتنع بقية أعضاء المجلس عن التصويت وهم البرازيل ومالطا وألبانيا وسويسرا وإكوادور وغانا. وكان يمكن لها أن تمتنع عن التصويت كالمعتاد باعتبارها دولة محايدة.

كما إن المسؤولين اليابانيين سارعوا لزيارة إسرائيل والسلطة الفلسطينية في رام الله على غرار ما قام به رؤساء بعض الدول الأوروبية المعروفة في مواقفها العدائية لفلسطين، إلّا أن وزيرة خارجيتها يوكو كاميكاوا طلبت من إسرائيل وقف قتالها ضد حركة حماس الفلسطينية وفق ما ذكرته وزارة الخارجية اليابانية.

وفي اجتماعات الدول السبع التي احتضنتها اليابان مؤخرًا أعلنت الوزيرة اليابانية أنها تراقب الوضع بقلق فيما يجري من انتهاكات في غزة، وأنها تعتزم تقديم مساعدات بقيمة 10 ملايين دولار للمدنيين في غزة، مشيرة إلى وجود 900 مواطن ياباني بإسرائيل والأراضي الفلسطينية.

نرى أن اليابان لا تستطيع القيام بأي خطوات في ضوء الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول التي تقع في محورها؛ حيث أمريكا هي التي تدير هذه الحرب العنيفة على أبناء غزة بعد انهيار الحكومة الإسرائيلية ومخابراتها في تتبع ما جرى منذ السابع من أكتوبر الماضي.

أما اليابان فمن جانبها قلقة من هذا الصراع في المنطقة العربية، وتحذّر من احتمالات تأثيراته على اقتصاد بلادها خاصة فيما يتعلق بقطاع الطاقة وارتفاع أسعارها باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في العالم يعتمد على معظم الواردات النفطية القادمة من المنطقة الخليجية. وما يجري اليوم في المنطقة يترك الكثير من التأثيرات السلبية على الشعوب والمؤسسات الأخرى في العالم ومن بينها الشعب الياباني وعلى الأفراد والأسر والمؤسسات اليابانية فيما يتعلق باستهلاكها ووضع شركاتها، خاصة وأن اسم اليابان أصبح اليوم يرد ضمن الدول والشركات الأجنبية الأخرى التي تؤيد الدولة الصهيونية كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى لمقاطعة منتجاتها وخاصة من السيارات والإلكترونيات وغيرها من السلع الأخرى.  

وعمومًا.. إن الحرب الدائرة على غزة سوف تترك تأثيرات سلبية على بعض الاقتصادات، إلّا أنها تترك آثارًا سلبية كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي الذي ينهار يوميًا من جراء استمرار آلتها الحربية في قتل أبناء غزة، إضافة إلى التأثيرات الكبيرة على اقتصادات المنطقة والعالم في الكثير من القطاعات الاقتصادية والمصرفية والمالية وغيرها، وأن الأيام المقبلة سوف تكشف عن المزيد من هذه الخسائر الفادحة.