انتخاب رئيس مجلس الشورى.. والأولويات الوطنية

 

د. عبدالله باحجاج

يَنتخب مجلس الشورى يوم الخميس المُقبل رئيسًا له ونائبين للفترة العاشرة التي تستمرة لمدة 4 سنوات، في جلسة استثنائية تسبق دور الانعقاد، وهي جلسة مُهمة؛ إذ إنَّ اختيار شخصية الرئاسة سيتوقف عليه مدى ديناميكية المجلس وفاعليته وحيويته على المدى الزمني المتوسط المُقبل.

هذا المدى يُعد من أهم الفترات الزمنية للنهضة المتجددة على مختلف الأصعدة داخليًا وخارجيًا، لذلك، فإنَّ هذه المرحلة تحتاج إلى رئيس بمواصفات غير اعتيادية وغير مسبوقة، والتجديد مطلبٌ أساسي للتغيير، كما يحتاج الأمر إلى أداء واعٍ من الأعضاء كُلهم، والتعلم من سلبيات الأعضاء السابقين الذين ابتدعوا آلية "تَمْ" في التصويت على القوانين والأنظمة دون دراستها أو حتى قراءتها! فمُرِرَت على أنها رغبة المجتمع عبر مُمثليه، وأثقلت أحماله، ودقت ناقوس الخطر على توازناته الاجتماعية.

تلكم رؤية لابُد من التصريح بها الآن، ويتوجب الاستماع إليها، فدورنا هنا تقديم الرؤى الاستشرافية لهذه الانعكاسات قبل أن تترسخ، ويصعب تصحيحها، فمجتمع الدولة أو دولة المجتمع ينبغي أن يحمل همها المرتفع رئاسة الشورى قبل الأعضاء، إذا ما أردنا للدولة مجتمعًا متناغمًا وتماهيًا معها، وقد نحاجج بضعف صلاحيات مجلس الشورى وطابعها الاستشاري، وكذلك التعديلات التي زادت الأدوات الرقابية ضعفًا منذ آخر ثلاث سنوات، ومع تسليمنا به، لكن نؤمن دائمًا بالأداء والممارسة الوطنية والمهنية المتجردة من "الأنا" وجنونها النفعي المتعدد الأشكال؛ بما فيها جنون المناصب العليا، فهذا الجنون يجعل الكفاءة في خدمة المنفعة الشخصية على حساب المصلحة العامة.

ومن الأهمية الوطنية المُعبِّرة عن الشعب، انتخاب رئاسة تقود ممثلي الشعب إلى التعبير عن أحلامه وتطلعاته الداخلية والخارجية، فتلك مهمتهم جميعًا؛ لذلك فإنَّ اختيار الرئيس ونائبيه ينبغي أن يُبنى على الشعور بالمسؤولية الدينية والوطنية الخالصتين، ليس فقط وفق معايير الكفاءة؛ فهي وحدها تصنع "جنون الاستوزار" أو ما في حكمه، وإنما التجرد من المنافع والمصالح الشخصية، ويكون الهاجس إحداث نقلة تاريخية في الأداء والممارسات وإصلاح الأنظمة الداخلية لمجلس الشورى، وإعادة الاعتبار الدستوري والمفاهيمي للأدوات الرقابية.

ينبغي أن يقف الأعضاء المنتخبون للفترة العاشرة لمجلس الشورى على طبيعة المرحلة الوطنية للمدى الزمني المتوسط المقبل، وكذلك على طبيعة أدوارهم المنتظرة منهم، ومن حسن الطالع أن الوضع المالي للدولة الآن من أفضل الأوضاع التي مرّت على الدولة حتى قبل أزمتي النفط وكرونا؛ فالفائض أكثر من مليار ريال، كما عادت أسعار النفط والغاز إلى الارتفاع الكبير، وأدت عملية إغلاق استنزاف المال العام وترشيد الإنفاق إلى توفير إيرادات كبيرة، هذا إلى جانب إيرادات الضرائب والرسوم، وترشيد الدعم. وبالتالي فإن انشغالاتهم بالحفاظ على قوة المجتمع للدولة المدعمة بالحجج العقلانية ستلقى آذانًا سياسية صاغية.

سنؤجل قليلًا ملف الأولويات الوطنية لمقال آخر، لكي نخاطب الوعي السياسي للأعضاء الجدد بمسألتين عاجلتين لهما علاقة مباشرة بالشعب الذي يستمدون منه شرعيتهم في العمل الوطني، فمصدر شرعيتهم- الشعب- يتألم الآن من مجازر النازية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتزداد آلامهم من مواقف بعض الدول العربية والإسلامية التي وصل عجزها ليس لشن حرب أو وقف المجازر بوسائلها الناعمة كوقف تصدير الطاقة مثلًا، وإنما حتى بطء إدخال الماء والغذاء والدواء للمحاصرين والمرضى في غزة، وظلت محتفظة بعلاقاتها السياسية والاقتصادية معهم، وكأن توالي جرائمهم لا يعني شعوبها من قريب أو بعيد.

المسألة الأولى: إصدار بيان قوي يُعبر عن الموقف الشعبي العماني الذي يُطالب بوقف تصدير الطاقة للدول التي تدعم الكيان الصهيوني في مجازره وعدوانه، وطرد سفرائها، وتجريم أي اتصال وتواصل معه. وقد جاء موقف وزارة الخارجية العُمانية قويًا وغير مسبوق عربيًا وخليجًيا؛ حيث طالبت سلطنة عُمان بإجراء تحقيق مستقل عن العدوان ومحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على استهدافه المدنيين في غزة، كما اعتبرت عُمان أنه من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه، وأن التهجير القسري للمدنيين يمثل تمهيدًا للإبادة الجماعية. والبيان المأمول لا بُد أن يكون قويًا يستمد قوته من قوة الموقف السياسي العماني الذي رفع السقف إلى أعلى مستوى.

المسألة الثانية: إنشاء لجنة جديدة دائمة ضمن لجان مجلس الشورى خاصة بالمقاطعة العمانية لبضائع الدول والشركات التي تدعم الحرب على غزة، وقيادة مبادرة عربية لحمل مجالس الشورى والنواب العربية والإسلامية على المقاطعة الممنهجة والمستدامة والجماعية، مما سيؤثر حتمًا على صناع القرارات في دول العدوان وشركاتهم. وكما نعلم أن رأس المال جبان، ولن يقوى على الصمود في دعمه للمجازر، وسيتنصل منها سريعًا، كما تفعل الآن المقاطعة الاختيارية والمحدودة، والتي لو تتبعناها في بعض محافظات البلاد، فسنجد عزوف المُواطنين عنها واضحًا، وقد لجأت بعضها إلى تخفيض أسعار منتجاتها إلى النصف، لكنها لم تنجح في إغراءاتها؛ لأن الآلام عميقة، ولأن العقيدة أكبر وأعظم من احتياجات المعدة، ولأنهم يعتبرون المقاطعة الحد الأدنى للرد.

ما نقترحه على مجلس الشورى هو الحد الأدنى من الرد، والحد الأدنى للتماهي مع الموقف الشعبي العماني، وذلك يستوجب تجريم الاتصال والتواصل الحكومي والنخبوي مع الكيان النازي والدول الداعمة لمجازره، ونقترح أن يدعو مجلس الشورى بُعيد اختيار الرئيس ونائبيه مباشرة إلى جلسة عاجلة خاصة بنُصرة فلسطين ودعم غزة الباسلة والمنتصرة بإذن الله، وبذلك سيُعبِّر عن شرعيته المجتمعية، ويكون في مستوى تطلعاتها، فهل ستصل رسالتنا إليه؟ وبالتالي ما مدى الاستجابة لها؟

هذا أول اختبار للأعضاء الجُدد للمجلس، ومقياس لوعيهم وآفاقهم السياسية، وكذلك إرادتهم المستقلة، ولو اُنْتُخِبَت رئاسة جديدة للشورى من نخب مُتحررة من الحقبة السياسية الماضية، وعلى وعي بمسؤولياتها الوطنية والإسلامية، ستكون ضمانة لعمل ديمقراطي تشاركي يخدم كل الأهداف والغايات الوطنية.