كنتُ مُرشحًا لعضوية مجلس الشورى

 

سالم بن نجيم البادي

 

خُضتُ تجربة الترشح لمجلس الشورى، ولا أنكر أنني كنت أرغب في الفوز، ولكنني كنت أرغب أيضًا في الولوج إلى دهاليز هذه المعركة كما كنت أسميها، وإلى عالمها الواسع.

كانت تجربة شاقة ومُرهقة، ولن أستطيع ذكر كل تفاصيلها، ولكن الذي أدهشني حقًا أنَّه ومنذ علم بعض الناس بنيتي في الترشح انهالت عليَّ المطالبات المالية من كل حدب وصوب، فهذا يُريد الأموال لإجراء عملية، وآخر قد قُطِعَت الكهرباء عن منزله، وإحدى الأسر تُريد المال لإصلاح مكيفات الهواء، وأحدهم يُريد علاج جده، وآخر يُريد إجراء فحوصات لوالدته، حتى إن أحدهم طلب المال للذهاب إلى العمرة وآخر كان يُريد الذهاب إلى صلالة في موسم الخريف! ومن الطريف أن أحد الرجال قال إنِّه سوف يبيع كليته إذا لم أدفع له، وأعطاني رقم الشخص الذي اتفق معه لشراء كليته. وسمعت حكايات كثيرة لعل أصحابها كانوا يكذبون من أجل الحصول على المال وحتى إن أحدهم أخبرني أنه عالق في بريطانيا، ولا يملك ثمن تذكرة العودة، وتواصل معي أحدهم من الهند يُريدني أن أساعده على دفع ثمن العلاج هناك. أما عن الطلبات التي يدعي أصحابها أنَّ عليهم ديونًا متراكمة فهي كثيرة جدًا، وطلبات إقراض المال حدِّث ولا حرج؛ فهناك من انتظرني خارج مقر عملي لطلب المُساعدة المالية. وحين كنت خارجًا من البنك خرج خلفي رجل يطلب المال من أجل أن يشتري الأكل لنفسه؛ لأنه جائع كما قال، ولحقني آخر بعد خروجي من محل بيع الهواتف يُريدني أن أشتري له هاتفًا في يوم التصويت، وأخذ أحدهم بيدي ليهمس في أذني أنه يحتاج إلى المال وقال: "ما نقصر معك يوم التصويت"، ومنهم من يدعي أنَّ لديه 100 صوت، لكن عليّ أن أدفع أولًا.

كنت أتحاشى دخول بعض الأماكن خشية أن أجد من يُطالبني بالمال؛ فالطلبات كانت تنهال عليَّ يوميًا، ومن أرقام مجهولة وعبر تطبيق الانستجرام، وكانت الطلبات أحيانًا مشروطة، بأنَّه إذا لم أدفع له، فإنه لن ينتخبني!

العجيب أن بعضهم يخاطبني بأسلوب فظ، ويأمرني بقوله ادفع الآن، ويُكرر طلبه، ويظل يُلِح عليَّ دون كلل، وفي أوقات مختلفة، وانتظرني أحدهم خارج المسجد بعد أن صلينا معًا يريد مبلغًا زهيدًا من المال مع الوعد بالتصويت لي، ومعظم من كانوا يطلبون المال مني يعلمون أني لا أملك المال الكثير، ولا دخل لي سوى راتبي من وظيفتي في الحكومة.

السؤال الذي ظل يُطاردني طوال فترة الاستعداد للانتخابات هو من الذي غرس في نفوس كل أولئك النَّاس أنه يجب على المترشح أن يدفع المال مُقابل الوعد بالتصويت له في يوم الانتخابات؟ وهل انتشرت ثقافة ادفع تربح بين النَّاس وأنا هنا؟

بالطبع لا أتهم أحداً بدفع الرشاوى من أجل الفوز، وليس هذا من اختصاصي، ولا أملك الدليل القاطع، ولكنني أطرح تجربتي دون زيادة أو نقصان، ودون رتوش، وأعتقد أنَّ هذه القضية جديرة بالنقاش، وأن تنال الاهتمام البالغ من الجهات المختصة، حتى لا تترسخ في نفوس بعض النَّاس إلى الأبد.